في كل مرة أزور فيها دبي أشعر بالغيرة من كل شيء هناك، النظافة وخريطة الشوارع وهندسة المباني والنظام والدقة والأناقة. كل ذلك يحرك شعوري الوطني ناحية اختطاف دبي وشحنها في حقيبتي لأهرب بها للمملكة، خصوصا أنا أتنقل بسهولة وسرعة بين مناطقها عبر المترو دون ضجيج أو زحام أو تلوث أو قلق. لقد تم الانتهاء من مشروع المترو في أقل من أربع سنوات على شكل مشروع حضاري رائد بالمنطقة غيّر مفهوم البنية التحتية التقليدية للمدن، فهو يأتي ترجمة لرؤية مغايرة من هيئة الطرق والمواصلات الطامحة إلى توفير نظام متكامل يضمن انسيابية الحركة ويوفر أفضل مستويات السلامة لكل مستخدميه، حيث استطاع بجدارة دمج المراكز الحيوية بعضها ببعض من خلال محطات عبور يرتادها العمال والسواح والمواطنون يخلص الناس من معضلة الزحام التي تختنق بها المدن في عملية تنقل سهلة ومرنة تختصر الزمن، وتقلل التلوث، وتحمي البيئة، وتحد من الحوادث، وتنظم حركة العمال. فماذا عن المملكة؟ هل هي بعيدة عن استراتيجية شقيقتها دبي؟ فقطاع النقل والمواصلات يعد من الموارد الاقتصادية الرائدة لما يوفر من ضمانات تنقل الركاب والبضائع بين المدن وتقديم الخدمات للقطاعات المختلفة، ولما له من قدرة استيعابية في توفير فرص للعمل والاستثمار ضمن استراتيجية وطنية تحقق التكامل المنشود بين مراكز البلاد لربط التجمعات السكنية والزراعية والصناعية وذلك لمواكبة المملكة لاحتياجاتها المستقبلية في تعزيز القدرة التنافسية على المستوى الدولي يدعمها في ذلك ميزانية سنوية قوية قادرة على تحويل الصحاري لواحات من حلم. لكن الأمر- للأسف - ليس كذلك. ترى ماذا ينقصنا لكي نصطف في ذات الطابور الحضاري مع الدول المتقدمة في إنشاء شبكة مترو أنفاق تلملم منطقة الرياض المترامية، وتربط مدن الشرقية بعضها ببعض، وتعبد جغرافية الغربية الصعبة، وتجسر المدن في حركة مواصلات عمالية يومية تفسح الشوارع للخدمة العامة في وقت الذروة، وتخفف من الحوادث، وترحم «عمنا ساهر» من تشغيل فلاشاته كل دقيقة؟ وتخلصنا من هم «مطاريش» العائلة أثناء تنقلاتهم داخل المدن وخارجها في مجتمع لا تقود فيه المرأة سيارة؟