استقبلت الجمعية الخيرية لرعاية الأسر السعودية في الخارج، الأسبوع قبل الماضي عددا من الأسر السعودية التي نجحت في إعادتها من مصر، من جراء الأحداث السياسية التي تشهدها. وأعلنت «أواصر» أنها اتخذت لذلك كافة الإجراءات العاجلة، وتوفير كل احتياجات الأسر التي أبدت رغبتها في العودة من تكاليف مالية وإسكان وإعاشة وتذاكر سفر. العائدون أعلنوا أن سفارة المملكة في مصر، بذلت جهدا بالتعاون مع الجمعية الخيرية لرعاية الأسر السعودية بالخارج، في التواصل معهم والعمل على تأمين سلامتهم وتسهيل مغادرتهم في أسرع وقت. عاد الكثيرون، بعدما أكد رئيس «أواصر» الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السويلم أن الجمعية: «بادرت بالتواصل مع العائلات والمواطنين السعوديين في جميع المدن المصرية؛ للاستفسار عن رغبتهم في المغادرة، وإذا ما كانت هناك عوائق تحول دون ذلك, حيث خُصِّص رقم هاتفي لتلقي اتصالات الراغبين في العودة، كما تم تهيئة كل ما يلزم من إسكان وإعاشة للأسر، وتولت الجمعية تقديم جميع المساعدات المادية والعينية للأسر العائدة والعمل على تصحيح أوضاعهم النظامية واستخراج الأوراق الثبوتية إن كانت هناك حاجة إلى ذلك بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة». مأساة أم بداية؟ لطالما عانت بعض الأسر السعودية المقيمة في الخارج، الكثير من الويلات، بسبب تخلي الآباء السعوديين عن الأبناء الذين ليس لهم ذنب سوى أنهم ربما ثمرة «شهوة»، أو انزلاق لمنحى آخر، دون التفكير في العواقب. الكثير من القصص المأسوية تمر يوما بعد يوم، في ظل تنصل الكثير من الآباء عن أخلاقياتهم؛ ما أضفى عبئا إضافيا على «أواصر». هناك أبناء لا يعرفون سمات الآباء ولا صورهم، وربما عرفوهم من صورة قديمة تعود إلى عقدين أو ثلاثة، في ظل عزوف الآباء عن الاقتراب من الأبناء، حتى بعد كبر سنهم. الفتاة «ليلى.ق» ذات ال 15 عاما، تستعيد مع «شمس» ذكريات الأعوام الماضية، حيث غادرت والدتها عرعر؛ لولادتها في مصر، إلا أنه بعد 40 يوما من قدومها إلى الدنيا تم طلاق والدتها، لتبدأ معاناتها وأشقائها رائد وراشد القبيسي: «لا أحمل أي هوية تثبت أنني سعودية سوى جنسيتي في شهادة ميلادي، وتذكرة العبور، أنا طالبة في الأول المتوسط في مصر، لم أر والدي إطلاقا، ولم أسمع صوته، عشت في أوساط عائلة والدتي وأقاربها، لم أعرف أين أبي؟ هل على قيد الحياة، أم متوفى؟ ولكن والدتي صارعت حتى كبرت، ودرست في إحدى المدارس المصرية، والآن أدرس في المرحلة المتوسطة». خروج ووداع وبين «راشد. ق» شقيق ليلى أنه عاش لمدة 16 عاما في مصر قبل أن ينتقل إلى السعودية برغبة من والده الذي يعيش في مدينة عرعر: «درست المرحلة الابتدائية بشكل طبيعي، إلا أن غياب أوراقي الثبوتية أجبر والدتي على تسجيلي في مدرسة أهلية بموجب شهادة الميلاد، وبطاقة المرور، وفي الصف الثالث المتوسط، عند قدومي للاختبار منعتني المدرسة من الدخول إلى الامتحان بسبب سحب والدي أوراق ملفي؛ ما دعاني للذهاب إلى السفارة السعودية لتصحيح أوراقي، واتصلت على والدي الذي طلب مني المجيء إلى السعودية، وإكمال دراستي فيها، وبالفعل حضرت واستخرجت بطاقة أحوال وجواز سفر، وأقمت مع والدي الذي فاجأني بطردي من البيت، والتقدم إلى المحكمة الشرعية لإرغامي من الخروج من المنزل، وقتها لم أعلم أين أذهب، فأنا لا أعرف عرعر جيدا، تجاهلت النداءات الأولى، وفي ذات يوم وجدت ورقة بخط والدي عام 2008، تطالبني بالرحيل عاجلا، فخرجت لا أعلم أين أذهب؟ فتوجهت لأحد المنازل المهجورة في المدينة لمدة ثلاثة أيام، فحاول أحد أصدقائي بإقناعي للذهاب لبيت أخي الأكبر، وذهبت بعد مرور أسبوع فوجدت حاجياتي ملقاة في الخارج، ويطلب مني الخروج من منزله، عندها عدت مرة أخرى إلى منزل مهجور، اشترك مع مخلفات الحارة، واستمر بي الحال لمدة أسبوعين، وعندما علم أحد زملائي في المدرسة بمكاني زارني، وطلب مني الذهاب لمنزله، واستجبت، حيث كان ذلك في شهر رمضان، لكي أتمكن من الإفطار، واستمر حالي هكذا لمدة ستة أسابيع، لكنني شعرت بأنني ضيف ثقيل، فقررت مغادرة منزله، وعدت إلى المنزل المهجور، حتى بُلِّغ زوج أختي بمكاني وطلب مني الانتقال لمنزله فذهبت، وما زلت أعيش معه حتى الآن». طرد الابن ولا يختلف حال الشقيق الأصغر «راشد. ق»، عن حال إخوانه، حيث جلبه والده من مصر منذ عام، وأصبح موجودا في منزل والده، الذي طلب منه مرارا مغادرة المنزل، إلا أنه لم يفعل ويحاول التهرب من مطالب والده بمغادرة المنزل، والاختفاء حتى يغادر المنزل ويعاود الرجوع إليه: «حصلت على بطاقة الأحوال وجواز سفر عند قدومي، إلا أن شقيقتي الصغرى ليلى لا تحمل أي أوراق ثبوتية، ونعمل حاليا مع جمعية أواصر لاستخراجها، لجعلها مواطنة تستطيع العيش والالتحاق بالمدارس، فأنا وشقيقي رائد ندرس الآن في المعهد التقني بعرعر؛ لنكسب مهنة نستطيع العيش بها والاعتماد على أنفسنا». إعانة عاجلة من جانبها أوضحت أم راشد. ق «مصرية الجنسية» أنها بعد طلاقها، وإقامتها في شقة بسبب أطفالها منحتها السفارة السعودية إعانة شهرية مقدارها 300 جنيه مصري، وعملت على شراء بضائع وبيعها على القاطنين في حيهم: «عملت في مجال الخياطة لكي أوفر مصاريف معيشة أبنائي وتدريسهم في المدارس، وبعد أحداث الثورة في مصر، وعند تلقي خبر طلب السفارة فتح الباب للسعوديين للمغادرة، فانتقلت برفقة ابنتها ليلى واستغرق وصولي للمقر المعلن يومين، وذلك بسبب الأوضاع الأمنية رغم أنني أعيش في أحد أحياء القاهرة، بسبب الانفلات الأمني، حيث تم إيقافنا ومعي مجموعة من النساء من قبل البلطجية وسلبوا الأموال والذهب الموجود مع المجموعة، وحاولوا التحرش ببعض البنات، فحاولت إخفاء جنسية ابنتي لكي لا تتعرض لمكروه، وتوجهت إلى منزل شقيقتي في منتصف الطريق، وانطلقت اليوم الثاني حتى وصلت المقر، وتم منحنا غرفة حتى انتهاء الإجراءات، ووصول الطائرة المقررة لنقلنا، وتوجهنا للمطار، وتم استقبالنا من قبل أعضاء جمعية أواصر، الذين نقلونا إلى سكننا المؤقت الحالي، وبعد يومين من وصولي، وتم لم شملي مع أبنائي، الذين توافدوا من عرعر عبر النقل الجماعي». ورفعت أم راشد شكرها لحكومة خادم الحرمين الشريفين على الوقفة الأبوية مع أبنائهم السعوديين المقيمين في الخارج، والدور الذي لعبته «أواصر» في توفير مقر لسكنهم واستقبال أبوي». سائق تاكسي وعلى نحو آخر عاش جمال المحلاوي «سعودي من أم مصرية»، 46 عاما، طيلة حياته في مدينة القاهرة ويتحدث بلهجة مصرية، فهو لم يعش في السعودية، سوى عدة أيام خلال زيارته قبل عدة أعوام لاستخراج بطاقة أحوال وجواز سفر: «توفي والدي وأنا أبلغ من العمر ستة أعوام، ولي من الأشقاء أربعة، شقيق أكبر وثلاث شقيقات أصغر مني، عشنا مجهولي الهوية طيلة الأيام، لم نتلق تعليما جيدا؛ بسبب غياب الأوراق الثبوتية، فأجبرنا ذلك على العمل منذ الصغر، حيث عملت في إحدى الورش ب 50 قرشا مصريا أسبوعيا، بعد ذلك انتقلت لعمل آخر بجنيه ونصف أسبوعيا، وعندما كبرت عملت سائقا بإحدى سيارات الأجرة، بعد ذلك اقترضت مبلغا لشراء سيارة أجرة للعمل عليها، وبسبب عدم ثبوت أوراقي طيلة هذه الأعوام ومعرفة جنسيتي، لم أستطع الزواج حتى تمكنت من الحصول على أسرة توافق على زواجي، وفتحت منزلا من خلال كدحي لمدة تتجاوز 16 ساعة يوميا، ولكن سرعان ما انقطع هذا الدخل من خلال تعرضي لحادث أتلف مركبتي التي تمثل لي مصدر رزقي، وعملت على العمل بعد أن حصلت على سيارة من قبل أحد معارفي بالإيجار، حتى أعلنت السفارة السعودية ترحيل السعوديين، فقدمت مع أبنائي الثلاثة الذين يدرسون في الصف الثالث الابتدائي والثاني وآخر ما زال طفلا، وسأعمل على استخراج وثائق لهم لإثبات جنسيتهم». وأشار إلى أنه طيلة حضوره للسعودية تلقى مبالغ من جمعية أواصر لمعيشته وأسرته، مشيدا بهذه المعاملة الكريمة غير المستغربة من ولاة الأمر. مغادرة وعودة أما حنان محمد «سعودية 46 عاما» وأشارت إلى أنها عاشت طوال 14 عاما في مدينة الطائف بسبب زواجها من مسن، إلا أن وفاته وعدة مشاكل عائلية أجبرتها على مغادرة السعودية، للعيش مع والدتها، مبينة أن الأوضاع الأمنية المتوترة ودعوة الحكومة السعودية رعاياها للسفر أجبرتها على العودة والاستقرار مجددا في السعودية برفقة شقيقها مصري الجنسية بدر محمد، الذي تم منحه تأشيرة دخول اضطرارية ليكون محرما مع شقيقته السعودية، حيث أشار إلى أنه: «كنت أحلم بزيارة السعودية وأداء مناسك العمرة وجئت محرما مع شقيقتي، وأبلغتني الجمعية أنها ستعمل على تحويل الزيارة إلى كفالة على شقيقتي؛ لأكون محرما في ظل نيتها الاستقرار». وبينت حنان: «أنا سيدة مريضة ولا أستطيع كلفة العلاج في مصر، وكثيرا راودتني فكرة العيش في بلدي السعودية، لكن الظروف حالت دون ذلك». أوضاع سيئة وأشاد محمد س سعودي الجنسية، بالمبادرة من قبل الحكومة السعودية التي طلبت من رعاياها الراغبين مغادرة مصر، الحضور للسفارة وتسهيل مهمة سفرهم خلال ساعات محدودة: «أدرس في المرحلة الثانوية، وكانت شقيقتي تدرس الجامعة، وتم ضمها للبعثة، وساعدتنا على ظروف العيش، إلا أن انتهاءها من الدراسة جعل أوضاعنا المعيشية سيئة».