أطلب من والدتي كل يوم أن تتصل بعائلتها في مصر للاطمئنان على حالهم.. أسمعها تحدثهم بلكنة شبه مصرية.. أشعر بالفخر.. تقول لهم: «ربنا يزيح الغمة دي عن قلبكم». كان دائما لمصر حب خاص في قلبي.. رغم كل ما يقوله من هم حولي عنها.. ورغم كل من يحاول تشويه صورتها.. كان لها مكانة خاصة.. شوارعها تشعرني بالفرح رغم كل الحزن الذي كان يسكنها.. ربما كان قلبي الذي أحبها يتنبأ لها بهذه الأيام.. يعلم أنها ستستيقظ يوما من هذا السبات العميق وتتفوق على ذاتها.. هذا هو الشعب المصري الذي أمضيت معه كل «الصيفيات» في الطفولة.. هذا هو ال «عم محمد» الذي كان يقف بجانبي حتى يقول لراعي التاكسي بنبرة صارمة: «خلي بالك منها». هذا هو ال «أسطى خالد» الذي بقي معي يوما كاملا يأخذني من مكتبة لأخرى لشراء الكتب.. كان هو ذاته شغوفا بالكتب، فرفض أن يعيدني إلى الفندق حتى أخذني إلى كل مكتبات القاهرة، ثم رفض أن يأخذ أجرته إلا «بطلوع الروح». هذا هو ال «عم سيد» الذي كان ينتبه لي في المسبح عندما كنت طفلة.. هذا هو «عمرو» البائع في نيويورك الذي رفض أن يأخذ مني قيمة الماء والخبز. هذا هو «أحمد» السائق في لندن الذي قال لي «روق يا عم» فضحكت وعيناي ممتلئتان بالدموع، والذي أتى ليقلني من المطار واضطررت إلى أن أدخل في شجار معه حتى يأخذ «حق التوصيلة». هذا هو «دكتور سيد» الذي يعتبرني أخته ويطمئن على حالي دائما.. وقال لي يوما: «إنتي كبرتي في عيني أوي». هذا هو «خالي النجدي» الذي كان يرسم معي ويلون في طفولتي حتى بكيت يوم ودعني. هذا هو «خالي السيد» الذي يسأل أمي في كل مكالمة عن حالي أنا بالتحديد. وهذه هي بائعة الخبز التي كنت أشتري من عندها كل صباح في طفولتي. وهذه هي «خالتي سعدية» التي كانت ما إن تعلم بوصولنا إلى مصر حتى ترسل لنا الملوخية لأنها تعلم كم أحبها.. هذه هي «أبلة كاميليا» التي تتمنى أن تزوجني عريسا مصريا. هذه هي: «أبلة دينا» التي علمتني كيف أحب لغتي العربية. هذه هي «صديقتي أمل».. صديقتي «نهى».. صديقتي «إيمان».. صديقتي «إسراء».. لكل منهن في الذاكرة مساحة خاصة. هذه هي مصر التي مشينا فيها على «كوبري قصر النيل» مدعين أننا لا نستطيع الكلام.. كنوع من التجربة! هذه هي مصر التي اشتريت منها أول كتاب في حياتي وقرأته في قارب في وسط النيل. هذه هي مصر التي علمتني أول معاني الحرية. علمتني السعادة.. الضحك.. المراهقة.. السهر.. الأمان.. الحب.. وعلمتني الثورة.. مصر.. أمي.. قبل أن تكون أم الدنيا.. سأبقى فخورة بالدماء المصرية التي تسري في عروقي ما حييت. مدونة: نجلاء http://www.najla2.com/wordpress/