ما قبل النص: «القوة في الاختلاف وليست في التشابه - ستيفن كوفي». العيش في الحلم الأمريكي يحتمل السكوت أحيانا كثيرة. ربما تكون هكذا الحياة عند بعض الشعوب التي لا ترى إلا من زاوية حادة، يحدها الكره والعداء ويؤطرها التعصب. فلا يمكن إذن العيش في جو لا تسكنه المحبة والسلام، فالعيش السليم يتطلب مجتمعا سليما «رجالا طيبين» يقومون بأفعال طيبة، وعلى النقيض، والعكس صحيح حين يكون وجود «الرجال السيئين» ضررا للكون والحياة. «اسمي خان، أنا مسلم من إقليم بوريفالي في بومباي الهندية ومصاب بمتلازمة اسبرجر التوحدية. أنا الآن في أمريكا، وأرغب في لقاء الرئيس». يمشي بخطوات غير متناسقة ولكنها متسقة مع خيال فذ وذكاء خارق. ينطلق خان من الحب، ولأجل الحب يحكي قصته في رحلة تغيير الأقنعة واستبدال المفاهيم. يرتبط خان بحياة ملؤها التلقائية، يحب ولا يكره، يحن ويشفق، لا يحب الصخب ويميل للعطاء مثله كنقاء الغيوم وروعة المطر في يوم صيفي. تدور أحداث فيلم اسمي خان لتصور أزمنة للخلاص فترسم نبل البذل وتخرج من رحم معاناة العنصرية الإرهابية البغيضة لتضيء المستقبل، يتحدث خان ليروي حكاية تعيد رتق ثوب الأمل في قلوب المسلمين ومعاناتهم بعد أحداث سبتمبر الحزينة، فيبني أعمدة خير تجاه السماء لخدمة الإنسان بعطف الأخوة وحنان الأم. إنه قلب خان الذي يعرف الجمال يتردد في ثناياه صدى لقانون المتعة الفيزيائي مقررا أن «بعض الأصوات تزيد معدل ضربات القلب» وهكذا فعل فيه صوت ملاكه الجميل مانديرا. يتركنا خان نشفق على أرواحنا ببؤس. فحين يعزم أمره يتوكل ولا يأبى الرجوع، فتشاهده يلبي نداء الرحمن للصلاة بإقرار وتصديق، وهذا ما علمته أمه أن خان لا يخون كلمته ولا عمله. لا بأس عليك يا خان أنت مصاب بالتوحد ولكنك تعمل عن أمة غثاء كزبد البحر. هل جئت لتروي قصة حبك، أم تعز دينك؟! هل أتيت لتقول إنك لست إرهابيا.. وفقط؟! أم لترسم لوحة التغيير بكل ألوانك الجميلة التي تصنعها بروحك المرحة وشغفك المستمر. أنت يا خان ملئت الفراغ الذي أحدثته الأحداث المتلاحقة بين الحب والكره وبين البعد والشوق وبين النور والظلام. يموت ابنك بدافع عنصري مقيت فتردد «إنا لله وإنا إليه راجعون»، ثم ترثيه في كنيسة للسود وتردد (We Shall Overcome) فتبكي وتبكي. وتضع بذرة المعروف التي انتظرنا غراسها حين أوجع الإعصار ضربته على تلك البلدة لترجع إليهم وتبني وتري مجتمع الكره أي فرد أنت بعد أن غيبت في غياهب السجن بضعة شهور. لا شيء يا خان يعادل شغفك وحبك، فأنت تروي حكايتك لتستشف معاناة مررت بها ومن أقرب الناس لك حين كان ارتباط اسمك يعني الموت، وأنت أيضا تحكي لتسمع صمت الشعوب وسكوت الأفراد أي إنسان أنت بعفويتك البسيطة وفهمك العميق حين أجدت تأويل حادثة إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل في حين عبث الغير بالمعنى وأراد المكر والسوء بك وبالأبرياء. لقد حملت أحداث جمة روعة عرض فكرتين معا فحين يخطئ الأول يأتي الآخر ليردم هوة الإخفاق وينير درب النفع كما تفعل أنت. وهكذا ينهي خان ما ابتدأه بسعيه مع الأمل ليصنع لنا أفكار آمال كبيرة تنتظر منا شيئا من إخلاصه وعفويته واجتهاده. ولا تزال تغمرني الدهشة والرغبة في مشاهدة الفيلم عدة مرات، فما يقال إن قراءة كتاب واحد خمس مرات أفضل من قراءة خمسة كتب، ينطبق تماما على هذا الفيلم الذي يأتي في أبعاد فنية مبهرة ممزوجة بموسيقى تصويرية رائعة وأغان مؤثرة، مع انتقال أدائي ومرحلي مذهل كان ربط الأحداث فيه أمرا مميزا أبرزه قوة الحبكة الدرامية وروعة السيناريو وجمال الإخراج. خان بأدائه الخارق يذكر بأداء دستن هوفمان في فيلم «رجل المطر» فالتوحد كان سمة الاثنين وربما تفوق خان ورفاقه في عرض الكثير من الحكايات الجانبية لتدعم فكرة خان بأنه ليس إرهابيا قط. ما بعد النص «مازن»: قد أكون متحيزا بعض الشيء في حكمي لأن الفيلم يحمل رسائل وأبعادا وأفكارا ما زالت تتردد كثيرا في الذهن تقودني إلى تساؤلين أرغب يوما أن أشاهدهما واقعا مملوسا في حياتنا: • هل آن الأوان أن نهتم كثيرا بالتبرع الخيري لمشاريع سينمائية إسلامية حقيقية تحمل رسائل الحب والسلام يتعدى نفعها للبشر جميعا؟. • متى يقتنع الرأي العام أن فيلما واحدا كفيل بتغيير الكثير من القناعات ويعمل معول بناء وتغيير، في حين عجز عن التغيير خلال عقود من الزمن بوسائله النمطية والتقليدية؟ عادل السالمي – عن مدونة مازن http://www.mazen.com.sa