رغم ارتفاع ضجيج الحرب على أناشيد السلام وغوغائية الجدل على نغم الحوار، لا يزال هناك من يؤمن بإمكانية العبور إلى أرضية من التفاهم والاحترام المتبادل بين الحضارات، وإن كانت هذه الكلمات تبدو رومانسية وحالمة لقارئ يعيش واقعا من الصدام والإقصاء، لكن أمين الريحاني «1876-1940» الكاتب الذي يعتبر أيقونة للحوار بين الشرق والغرب، لا يزال يحضر بقوة في محافل أدبية عالمية كإنسان انتمى بجذوره الشرقية للعالم. ما يميز الريحاني كصوت تفرد بتحليله الرائد للعلاقة بين الشرق والغرب، أنه أخذ من الغرب – وأمريكا بالتحديد – الكثير من الأحلام ليحاول نقلها إلى الشرق باعتماده على معرفة أصيلة بالثقافة العربية وتاريخها المعروف بقبول الآخر والتعايش معه. عن هذا الإرث الريحاني المستعصي على الحصر، تقيم مكتبة الكونجرس في واشنطن في نهاية شهر مارس المقبل مناسبة ثقافية بمناسبة مرور 100 عام على صدور الرواية الإنجليزية الأولى التي كتبها الريحاني «كتاب خالد» «1911» والتي صور فيها الريحاني قصة الهجرة لشابين عربيين من بعلبك إلى نيويورك وما صاحبها من متاعب، وما خالجها من إعادة اكتشاف بطل الرواية لهوية التعديدة الثقافية والدينية. والقارئ لأعمال أمين الريحاني لا يستغرب أن يهيمن هذا الهاجس على معظم أعماله الأدبية التي كتبها على مدار أعوام من النشاط الأدبي والسياسي. وبعيدا عن ريادته على مستوى أدب المهجر والأدب العربي الأمريكي، يظل الريحاني شخصا مثيرا للجدل فيما يخص دوره في ترسية العلاقة بين الدول العربية والولايات المتحدة في لحظة مفصلية من تاريخ المنطقة السياسي مطلع القرن العشرين. الريحاني، الذي صاحب قيادات عربية وكتب عن سيرهم في رحلاته إلى الجزيرة العربية، كان قد كسب ثقة الأطراف المتنازعة بالعمل كوسيط وسفير يرجح الكثيرون أنه مثّل نفسه أكثر من تمثيله لطرف على حساب آخر!. هذا التميز قام على الإيمان العميق بإمكانية التعايش مع الآخر، وهو الطريق الذي سلكه الريحاني كناشط بارز لم يكتف بالتوسط في القضايا السياسية بين الشرق والغرب، بل أخذ على عاتقه مهمة مد جسور ثقافية أكثر عمقا بترجمته لكتب التراث العربي إلى الإنجليزية ومن بينها ديوان أبي العلاء المعري. ويرى القائمون على هذه المناسبة أن فكر الريحاني «معاصر جدا» للمرحلة الحالية، إذ يستعد ضيوف الملتقى، وهم شخصيات فكرية وسياسية بارزة، للحديث عن حيوية أفكاره وملاءمتها للظروف الحالية وكيفية إعادة قراءة أدب الريحاني وتوظيفه في الوصول إلى معادلة تخدم سفراء الحوار. ويمكننا تلخيص فلسفة الريحاني بالقول إنه مواطن استطاع إعادة تعريف الانتماء بالاعتماد على إيمانه بالمصير المشترك للإنسان أينما كان والمسؤولية المشتركة في التعايش الحضاري. ويتحدث تيد فاين، مدير مشروع «خالد» الذي يتولى التعريف بأدب الريحاني، عن هذه الرواية بأنها «قصة أمريكية تزخر بالتجارب الإيجابية التي تنسحب على جيل عريض من المهاجرين العرب في رحلتهم لتحقيق الحلم الأمريكي بالرخاء والمواطنة الحقيقية، وهي لا تخلو أيضا من انتقاد للمجتمع الأمريكي». ويعتبر فاين أن هذه المناسبة خطوة مهمة ينبغي أن تستثمر لتأكيد الاعتراف بالإرث العربي في الثقافة الأمريكية بعد التجاهل الطويل الذي لحق بالثقافة العربية واعتبارها دخيلة وغير مؤهلة لتدخل ضمن مكونات التعددية التي يحفل بها المجتمع الأمريكي. ومن اللافت في مشروع «خالد» أن القائمين عليه اختاروا من المملكة الدكتور سعد البازعي ليكون عضوا في اللجنة الاستشارية العالمية للمشروع، وهو يستعد لإلقاء كلمة في الحفل بحضور جمع من الشخصيات الفكرية الرائدة على مستوى العالم