«بيوت لا حياة فيها»، قد يكون هذا الوصف الحقيقي الذي يستحقه أهالي جنوبجدة الذين تضرروا من سيول الأربعاء. جولة واحدة على المنطقة تكشف حجم الأضرار، ولا تحتاج إلى مزيد من التدقيق، فكل شيء يوحي أن هناك كارثة حدثت، فالمياه الملوثة على الطرقات مكتظة، والأوساخ تراكمت على جانبي الطريق، فلا يمكن السير إلا وقد تبلل ثوبك بالأوساخ أو بالمياه الملوثة. أحياء كثيرة تضررت وبيوت شعبية توازي طرقات الحارة، وبعضها الآخر تنخفض كثيرا عن هذا المستوى، ما جعل وصول مياه الأمطار إليها سهلا، وقد حاولت هذه الأسر مدافعة السيول، إلا أنها في النهاية استسلمت لها، فجرت السيول داخل هذه البيوت لتفسدها، وتجعلها غير صالحة للعيش الآدمي. بركة ماء أحمد العنزي، رجل يسكن في حي المصفاة، تضرر بيته بالكامل، فلم يكن السيل الذي وصل إلى بيته هو السبب الوحيد، بل إن سقف البيت الذي لم يستطع مقاومة الأمطار كان سببا آخر في فساد المنزل، ليتحول بالكامل إلى بركة لتجمع مياه الأمطار، وبالتالي فقد العنزي كل شيء: «لم أستطع مقاومة الأمطار فاستسلمت للأمر الواقع، ووقفت أنتظر ما الذي ستحدثه هذه المياه، زارتني إحدى اللجان في بيتي، وعبأت استمارة الأضرار التي لحقت بي، وانتظرت حتى المساء لأجد من سينقلني مع عائلتي إلى إحدى الشقق المفروشة ولكن من غير جدوى، لم أنتظر طويلا فأرسلت أبنائي إلى أقرب شقة مفروشة على حسابي الخاص». بيوت شعبية سيدة أخرى تحول مسكنها إلى مقر تجمع القاذورات، وذلك لأنها تسكن في بيت شعبي ينخفض كثيرا عن مستوى الأرض، فأصبحت لا تدري أين تنام، فالسرير تحطم والمفارش تبللت بالماء، وليس لديها سوى ابن واحد فقط، لكنه غير متفرغ فهو مرتبط بدوامه، فليس لديها حيلة سوى تنظيف بيتها بنفسها كل يوم حتى يتسنى لها العيش فيه. بعض هذه البيوت اختلطت مياه الخزانات لديهم بالمجاري التي طفحت على الشوارع، وبالتالي أصبحت هذه المياه غير صالحة للاستخدام البشري. مساعدات لا تكفي في ظل هذه المعاناة، تواجدت العديد من الجمعيات في هذه الأحياء للتعرف على حجم المعاناة التي يعيشها الأهالي، وسد حاجاتهم بتقديم المعونات الغذائية والمستلزمات اللازمة وذلك بعد حصر الأضرار وتسجيل أسماء المتضررين، وتحديد مكان لاستلام المعونات والمستلزمات، حيث توزع قرابة 300 شاب من الفرق الشبابية التابعة للندوة العالمية للشباب الإسلامي في أحياء بني مالك، البغدادية، الشرفية، الهنداوية، العمارية، وادي مريخ، فيما تواجد فريق من مركز حي النزلة في حي المصفاة الذي تضرر أغلبه، وتحولت شوارعه إلى مجاري للأمطار. توافدت عشرات الأسر إلى نقطة توزيع المساعدات، بعضها حصل على مساعدات وكثير منها تستطيع أن تطلق عليها لقب «منسيون»، فلم تصلهم الجمعيات بعد، ولا يستطيعون الوصول إلى هذه الجمعيات للإبلاغ عن حالتهم المأساوية، حيث يبدأ التوزيع من بعد صلاة العصر، ويستمر لثلاث ساعات متواصلة، فقرابة أربع شاحنات مليئة بالمساعدات يتم توزيعها على المتضررين، فيما يلجم أغلب الحضور بجملة «انتهت المعونات لهذا اليوم»، ليعودوا أدراجهم ويكرروا في الغد الحضور مرة أخرى؛ لأن المتواجدين في المكان أكثر من اللازم والمساعدات غير كافية. ويصل متوسط عدد أفراد أغلب هذه الأسر إلى ثمانية أفراد، ولا يتجاوز عدد غرف منزلهم أكثر من غرفتين. لجان وهمية إحدى المتضررات توجهت إلى «شمس»، وشكت حالها وحال أبنائها الذين يقبعون داخل الشقق المفروشة،: «لي قرابة سبعة أيام وأنا أسكن داخل الشقق المفروشة، ولم تصلني حتى الآن أي معونات أو مساعدات، صحيح أنهم أرسلوني إلى الفندق لأستريح فيه مع أبنائي، غير أنني كنت أتمنى أن أعود إلى منزلي في أقرب فرصة». أما مريم، فخرجت تؤكد: «بيتي حتى الآن غير صالح للسكن، والعفش تالف، وقد زارتنا أكثر من ثلاث لجان وعبأنا استمارة الأضرار، وحتى يومنا هذا لم يصلني أي شيء من هذه المساعدات»، مشيرة إلى أن الشقة التي تسكن فيها حاليا بداخلها 21 فردا، فهي تسكن مع اثنتين من أخواتها المتزوجات، ولكل منهما سبعة أفراد وهي تعول سبعة أفراد أيضا .