فتح حديث وزير العمل عادل فقيه أمام منتدى التنافسية، الذي اختتم في الرياض أخيرا، عن سعودة ملايين الوظائف خلال الأعوام المقبلة، مركزا على وظائف يشغلها وافدون في القطاع الخاص، جدلا في الأوساط السعودية، ففي حين لقي اتجاه الوزارة استحسانا شعبيا، اختلف الخبراء بشأن الطريق لتنفيذ وعود الوزير. غير أن وزير العمل عرض -في نفس الكلمة- وجهة نظر مناقضة لذلك، حيث قال إن الأعوام المقبلة ستشهد خفضا للأجور في القطاع الخاص، نظرا إلى تزايد أعداد العمالة، وهو أمر يلقي بمسألة رفع الحد الأدنى لبعض الوظائف في دائرة الشكوك. واتفق خبيران اقتصاديان مع ما طرحه فقيه بشأن توظيف السعوديين في الوظائف غير الدنيا، لكنهما اعتبرا أن جزم الوزير بانخفاض رواتب القطاع الخاص لا يتماشى مع هذا الهدف، كما أنه يتناقض مع حديثه عن وضع حد أدنى لتوظيف المواطنين. وقال الخبير الاقتصادي الدكتور سالم باعجاجة ل «شمس» إن هناك ما يقرب من ستة ملايين وظيفة يشغلها غير السعوديين، ويفترض، وفق تصريحات وزير العمل خلال منتدى التنافسية، أمس الأول، أن يشغلها السعوديون خلال الأعوام المقبلة. وقال باعجاجة «هناك ستة ملايين وظيفة لغير السعوديين إدارية ومالية، مثل مندوب مبيعات ومحاسب وغير ذلك، تمثل نسبة كبيرة في السوق السعودية، ولو بدأت السعودة من خلال هذه الوظائف لكان الأمر أفضل». ووفق بيانات وزارة العمل يعاني 10 % من السعوديين من البطالة، في حين يهيمن الوافدون على العديد من المهن، خصوصا في القطاع الخاص، حيث تشكل نسبتهم نحو 90%، وهو رقم ذكر الوزير أنه بالإمكان اختراقه من خلال تحفيز المستثمرين لتبني السعودة، وفي الوقت ذاته رفع الأجور في بعض المهن ليقبل السعوديون على الالتحاق بها. وكان منتدى الرياض، بين في دراسة عن سوق العمل في المملكة، أرقاما مقاربة لما أورده باعجاجه، حيث قالت الدراسة إن حجم القوى العاملة الوافدة في القطاع الخاص في المملكة تشكل ما نسبته 88 % من العاملين به، وعددهم ستة ملايين و 250 ألف عامل. كما بينت الدراسة نفسها أن حجم العمالة الوافدة يفوق بمراحل حجم العمالة السعودية في جميع المهن باستثناء المديرين والمهن الكتابية، حيث كانت نسبة غير السعوديين فيها 21.3 % و 14.83 % على التوالي. وأوضحت الدراسة أن 41 % من العمالة الوافدة تتركز في مهن الخدمات و 31.90 % تتركز في المهن الهندسية الأساسية المساعدة، و 25 % في مهن خدمات الارتقاء والحراسة، وهو ما يعني أن مجال حركة الوزارة نحو السعودة سيكون في نطاق 60 % من الوظائف التي يشغلها الأجانب في القطاع الخاص، غير أن قضية وضع حد أدنى للرواتب تظل مثيرة للتساؤل. ويرى باعجاجه، أن توقعات الوزير بشأن انخفاض محتمل في رواتب القطاع الخاص، تتناقض ظاهريا مع قوله إن الوزارة ستجعل الحد الأدنى للوظائف المسعودة 4000 ريال، فالأمر من الناحية العملية ممكن. وقال الخبير الاقتصادي «ليس صعبا على وزارة العمل أن تعمم على كل الجهات العاملة في إطار القطاع الخاص بأن يكون الحد الأدنى لرواتب السعوديين هو 4000 ريال، خصوصا في ظل ارتفاع سقف المعيشة من غلاء الأسعار والمواد الغذائية وغيرها». وأضاف «أعتقد أن الوزير يقصد أن هذه الأعداد الكبيرة من الوظائف التي يشغلها الأجانب ستتم سعودة نصفها، أي ثلاثة ملايين وظيفة». وتابع باعجاجة «إذا علمنا أن رواتب بعض هؤلاء الأجانب تصل إلى عشرة آلاف أو ثمانية آلاف ريال فستكون الأعوام المقبلة مليئة بالوظائف للشباب السعودي». أما الخبير الاقتصادي فضل البوعينين فذكر أن رواتب القطاع الخاص تعتمد على نوعية الوظيفة والمنشأة، ومن ثم لا يمكن الجزم بانخفاض رواتب القطاع الخاص مستقبلا ما لم تكن هناك مؤشرات علمية مثبتة». وأضاف «الأجور في الغالب تشهد ارتفاعا مرتبطا بارتفاع أسعار السلع والخدمات والتضخم في العالم، وهذا أمر طبيعي، وأعتقد أنه لن يكون هناك انخفاض في رواتب القطاع الخاص ما لم تكن هناك مؤثرات خارجية، مثل المؤثرات التنظيمية أو المرتبطة بقطاعات مثل الإنتاج، التي تؤدي إلى الضغط على الأرباح، ومن ثم تنعكس على الأجور والرواتب». وحاول البوعينين تفسير كلام الوزير فقال «ربما يكون ذلك التصريح محاولة للتقريب بين رواتب موظفي القطاع الخاص والقطاع الحكومي، وهذا أمر لا يستقيم، فجميع الدول الصناعية يوجد لديها فارق كبير بين رواتب القطاع الخاص والحكومي، ويبقى الاختيار للموظف نفسه بين القطاعين، شريطة أن يكون هناك جهد وكفاءة تؤهله للانضمام إلى القطاع الخاص». وعن وضع حد أدنى لرواتب السعوديين في القطاع الخاص، أشار البوعينين إلى أن «الراتب يعد من أهم المحفزات لتحول السعوديين من القطاع الحكومي إلى الخاص، وبدون وضع الحد الأدنى للرواتب سيقع ظلم كبير على السعوديين». مضيفا «المثل الأوضح هو معلمو ومعلمات المدارس الأهلية، حيث يتقاضون 2500 ريال، وهو مبلغ زهيد جدا لا يرقى إلى مستوى الكفاءة ولا الجهد المبذول من قبل المعلم أو المعلمة». وأشار البوعينين إلى أن شركات الأمن تدفع 1800 راتبا لموظفيها، رغم أنهم يعملون لديها 12 ساعة أحيانا، ولا يتمتعون براحة أسبوعية، بينما إجازتهم السنوية عشرة أيام فقط، وهذا ظلم كبير على الموظف السعودي». واستغرب الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الشورى السابق الدكتور محمد القنيبط الحديث في مثل هذه القضية ب «نعم ولا». وقال إن «ملف الأعمال من أعقد الملفات». وتساءل القنيبط «كيف يطلق وزير العمل المهندس عادل فقيه هذا الكلام، بينما الدولة تعطي رواتب ثلاثة آلاف ريال لبعض موظفيها». وقال «كم رواتب موظفي الدولة في الدرجة الأولى، وإذا كان راتب شاغل الرتبة السابعة (بكالوريوس)، 5500، فكم يكون راتب الأقل منه؟!» وختم القنبيط كلامه قائلا «وزير العمل متفائل جدا بأن يوفر وظائف برواتب أربعة آلاف ريال في القطاع الخاص». يذكر أن دراسة «منتدى الرياض» أحالت امتناع السعوديين عن العمل في القطاع الخاص للعديد من الأسباب، منها وجود عمالة وافدة متخصصة، وقلة المهارة في اللغة الإنجليزية، وقلة الخبرة، وعدم وجود المؤهلات المنافسة، وضعف الالتزام بأوقات الدوام، وعدم استقرار الموظف السعودي في العمل، وقلة الإنتاجية، وضعف قيم العمل، وكثرة الالتزامات العائلية. في المقابل، أظهر مسح عالمي أن العمالة الوافدة في المملكة تحتل المركز الثاني بعد نظيرتها في روسيا من حيث مستوى العوائد المالية. ووجد المسح أن المغتربين في روسيا والسعودية والبحرين والإمارات وسنغافورة يتمتعون بأكبر قدر من الثروة بوجه عام؛ إذ إن رواتبهم أعلى ويمتلكون دخلا أكبر بعد خسم الضرائب .