منذ انتشار الإنترنت بين المستخدمين في المملكة وظهور وسائل الإعلام الجديدة، لم تطمع الصحف الإلكترونية أن تتساوى بمثيلتها الورقية ربما هربا من الواجبات والالتزامات التي تترتب على «ترسيمها» و «تنظيمها»، لكن وزارة الثقافة والإعلام استدعت هذه الصحف إلى حياضها عبر اللائحة الجديدة المنظمة للنشر الإلكتروني، فالتحقت هذه الصحف، التي كانت حتى وقت قريب تعمل دون رقيب ولا حسيب، بنظام النشر والمطبوعات الذي ينظم وسائل النشر الورقي بكل أشكاله. هذه اللائحة قسمت الجمهور الإلكتروني ما بين مؤيد يرى أن اللائحة تنظيمية، ومعارض يرى أن بنودها تضيف الكثير من العراقيل في وجه الكتابة الحرة على الإنترنت الذي شكل المتنفس الرحب لكل الآراء والاتجاهات دون مقصات الوزارة التي أشارت بوضوح في صياغتها لأهداف اللائحة إلى دعم وتحفيز النشر الإلكتروني، بينما جاءت البنود التالية متعارضة مع هذا الكلام الإنشائي! فبناء على هذه اللائحة، أصحبت الصحف الإلكترونية ملزمة باستصدار ترخيص من الوزارة وتجديده في موعد محدد والحصول على موافقة مسبقة قبل تعيين رئيس التحرير، وهذا الشرط تحديدا تلقى المهتمون وعدا من الوزير بإعادة النظر فيه. وفي معرض الانتقادات الواسعة التي طالت اللائحة، وجد المعترضون مأخذا أساسيا يتعلق بصلاحية الوزارة نفسها لإصدار الأنظمة، مشككين في مشروعية اللائحة أصلا على اعتبار أن مجلس الوزراء هو الجهة المخولة بإصدار التشريعات والموافقة عليها، والوزارة جهة تنفيذية لم تحصل على تفويض مباشر من المجلس لاستصدار اللائحة، لكن وكيل الوزارة المساعد للإعلام الداخلي عبدالرحمن الهزاع، سخر في حديث خاص ل «شمس» من هذه الانتقادات مشيرا إلى أن هؤلاء المعترضين لا يفرقون بين النظام والتنظيم «النظام يحتاج إلى موافقة من الجهات التشريعية، لكن التنظيم يأتي لإكمال أو تفسير جزئية في النظام، وهذا من صلاحيات الوزارة». وبعد هذه الإجابة التي تبدو عملية ومقنعة، التفت المعترضون إلى زاوية أخرى أشاروا فيها إلى غياب «إمكانية التظلم» عن بنود اللائحة، لكن الهزاع أوضح أن «اللائحة الآن جزء من نظام النشر والمطبوعات، وهو يتضمن بنودا مفصلة حول التظلم، وهي بنود لا ضرورة لتكرارها». وعلى الرغم من هذه الانتقادات التي طعنت في اللائحة وبنودها، يبدو أن بعض الصحف الإلكترونية المعنية مباشرة بالتنظيم راضية تماما عنه، كما يشير تركي الروقي، المشرف العام على صحيفة الوئام الإلكترونية، الذي يرى أن اللائحة تشكل مرجعية للصحافة الإلكترونية للمطالبة بحقوقها «لهذا لا أعتقد أن اللائحة ستضع معوقات إضافية في طريقها، بل ربما تمنحها الانطلاقة نحو أفق أوسع، فاللائحة ستمنحها الفرصة للحصول على المعلومة من مصدرها الصحيح، والعمل تحت مظلة قانونية والحضور بتساو مع الصحافة الورقية». ومع الثقة التي أبداها الروقي تجاه مستقبل اللائحة، يبدو ماجد التويجري، نائب رئيس تحرير صحيفة عاجل، أكثر تحفظا في حكمه على اللائحة «الحكم عليها سابق لأوانه والعمل فيها لم يبدأ حتى الآن, لكني أرى أن بنودها شاملة ووافية إلى حد كبير». وينفي التويجري أن يكون الهدف من اللائحة أن تقف في وجه الحرية المتاحة على الإنترنت «فهذا رأي مخالف وحكم متعجل، لأن المادة ال 13 تؤكد أن الوزارة لن تمارس أي دور رقابي على ما ينشر في أوعية النشر الإلكتروني». ورغم رضاه المبدئي عن اللائحة، ينتقد الروقي بعض بنودها التي تبدو متناقضة حين تشترط الشهادة الثانوية للحصول على ترخيص النشر ثم تشترط الشهادة الجامعية للترخيص الإعلامي الموافق للنشاط «كما أن الوزارة لم تنتبه إلى ضعف البنية التحتية لمواقع الإنترنت في المملكة، وبالتالي ضعف الحماية والأمان، وهذا قد يربك مستقبلا أعمال لجنة النظر في المخالفات». وبعيدا عن شؤون الصحف الإلكترونية التي يبدو أنها المستهدف الأول من التنظيم، لم تتطرق بنود اللائحة إلى المدونات الشخصية والمواقع الاجتماعية كالفيسبوك والتويتر وغيرهما، ولا إلى الصحف التي أنشأها السعوديون خارج المملكة، وهي استفهامات أجاب عنها الهزاع في حديثه ل شمس «المدونات ليست ملزمة بأي شيء، لكننا نرحب بها إن رغبت في التسجيل لدى الوزارة, وتلك أيضا حال صفحات المواقع الاجتماعية، فجميعها غير مطالبة بأي إجراء لأنها صفحات شخصية بالدرجة الأولى، وكذلك الصحف الإلكترونية الصادرة من خارج المملكة، فهي ليست ضمن النطاق الذي ستنطبق عليه بنود اللائحة» .