تدخل الخدمات الصحية في المملكة اليوم، منعطفا جديدا، في ظل التوصيات التي يمكن أن تتبلور من مناقشة محاور هامة، خلال المؤتمر الطبي الاجتماعي الثاني للرعاية الصحية المنزلية، تحت عنوان «شراكة صحية وإنسانية.. ثقافة التميز»، على مدى اليوم وغدا برعاية وزير الصحة بفندق جدة هيلتون. وإذا كانت المملكة عرفت أخيرا «الطب المنزلي» أو الرعاية الصحية المنزلية، إلا أن مناقشة التجربة التي بدأت، وتحليل إيجابياتها، لاشك أنه سيعمل على دفع العمل في تطوير الخدمات الصحية، على أمل التخلص من إشكاليات سوء الخدمة في المستشفيات، ويقلل المدى الزمني للمراجعات، في بعض التخصصات. وما يعطي الدلالة على المنعطف الجديد، هو تلك الأطروحة التي تستعد لتقديمها نائبة رئيسة اللجنة العلمية بالمؤتمر الدكتورة مها العطا، والتي ستنادي «بتبني شركة متخصصة لتوفير الأجهزة والأدوات التي يحتاج إليها مرضى الإقامات الطويلة خلال ال 24 ساعة، وهو معمول به في الكثير من دول العالم». وشددت على أهمية ضمان تطبيق الجودة والأداء في الرعاية الصحية المنزلية، مشيرة إلى أهمية غرس ثقافة هذه الرعاية لدى الأسر وذوي المرضى من أجل الوصول إلى التكامل المنشود. وإذا كان المؤتمر يشهده الكثير من الخبراء من عدة دول، منها أمريكا والسويد وكندا وماليزيا، فإن الاستفادة من تلك الخبرات بالشكل الأشمل، من الممكن أن يسهم في تطوير نوعين للخدمات الصحية. لكن وزارة الصحة التي باتت تفتخر بأنها في غضون أشهر استطاعت الاستغناء ضمنيا عن افتتاح عشرة مستشفيات جديدة، بعدما قدمت الخدمة المنزلية لنحو خمسة آلاف مريض، فإن الرعاية الصحية المنزلية تفتح الكثير من علامات الاستفهام، فهل الوزارة تريد بهذه الطريقة إلغاء دور المستشفيات؟ ليصبح الاعتماد عليها رهنا بالقطاع الخاص، أم أن الفكرة لتعزيز الدور وإكمال الخدمات؟ وهل الوزارة قادرة على تطوير الخدمات المنزلية بشكل يخرج عن الوصفات التي تقدمها المستوصفات والمراكز الصحية الأولية في الأحياء؟ أم أنه لن يكون إلا تكرارا لها على غرار وصفات «المسكنات» بلا إشعار آخر؟ تجربة ناجحة التجربة التي طبقتها صحة الطائف، في الرعاية المنزلية، فتحت الطريق لمثيلاتها مديريات الشؤون الصحية في كافة المناطق، لتحذو حذوها. ولعل العدد الذي سجله البرنامج في فترة وجيزة، دلل على أهمية الطب المنزلي، الذي بات منافسا قويا، إن لم يكن بديلا للمستشفيات، والتي تصل تكلفة التشغيل لإحداها، إلى 100 مليون ريال، لسعة 500 سرير، حيث تحتاج إلى قوى عاملة تصل إلى حوالي 1300 طبيب وفني وإداري, إضافة إلى التجهيزات وشركات الصيانة وغيرها من الأمور. فالبرنامج سجل 516 مريضا ومريضة، تلقوا نحو ثلاثة آلاف خدمة في منازلهم، كون فرق الرعاية الطبية المنزلية تجدول المواعيد للمرضى في منازلهم، من هنا شكل البرنامج أهمية، بعدما تخطى عدد المرضى سعة أي مستشفى يضم 500 سرير، إضافة إلى الفائدة المرجوة في التقليل من الهدر، وتوفير الرعاية لمن يستحقها في المنازل بدلا من أسرة المستشفيات. فئات المرضى ويشرح الناطق الإعلامي بصحة الطائف سعيد الزهراني، الفوائد التي يمكن أن تتحقق عبر البرنامج الذي يشمل المرضى بجميع فئاتهم العمرية وتتمثل الخدمات المقدمة لهم في العلاجية والوقائية والتأهيلية، مبينا أنه «كون الحالات المرضية المزمنة والنفسية تشكل عبئا على ذوي المرضى في إحضارهم إلى المنشآت الصحية، كما أن البعض قد تمنعه ظروفه عن الانتظام ومواصلة العلاج في المنشآت الصحية، ولكون الكثير من هؤلاء المرضى يمكن أن يعيش بين ذويه وأهله حياة طبيعية، إذا تم وضع برنامج علاجي شامل وتلقى الدعم اللازم من الأسرة والمجتمع, وكذلك لارتفاع نسبة بقاء بعض المرضى المزمنين في المستشفيات ممن لا يحتاجون إلا إلى بعض الخدمات الطبية المحدودة والتي قد تؤدي لحجز سرير، من الممكن أن يستفيد منه مريض آخر أو حالة طارئة وذلك على الرغم من التوسع في المشاريع الصحية». وأشار إلى أنه لابد من التوسع في تقديم الخدمات الطبية للمرضى، ومواكبة احتياج ومتطلبات المرضى وتقديم الخدمة في أماكن تواجدهم من خلال استحداث برنامج الطب المنزلي «الذي يقدم لفئة خاصة من المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة، ويتكرر دخولهم المستشفى نتيجة لإهمال متابعة العلاج ولا يتوفر لهم إشراف ومتابعة أسرية مناسبة, والمرضى غير الملتزمين بالعلاج لظروف معينة مما يعرضهم للانتكاسة, والمرضى ذوي الإقامة الطويلة في المستشفى ويفضل خروجهم مع أسرهم في ظل متابعة دورية منتظمة محددة لعلاجهم كما يراها الطبيب المعالج والتي قد تمتد لسنوات، وذلك لضمان عدم تعرضهم للانتكاسة، إما بسبب عدم الانتظام في العلاج أو عدم الانتظام على الفحوصات الدورية المتصلة بالعلاج، وذلك لغياب من يتابع تنفيذ الخطة العلاجية المحددة للمريض، أو عدم القدرة على إحضار المريض إلى المستشفى عند حدوث أي عوارض مرضية أو غير طبيعية، فيتابع فريق الطب المنزلي الخطة العلاجية للمريض من خلال الزيارات الدورية، مع الاهتمام بأي عوارض مرضية تظهر على المريض أو يذكرها أهل المريض فيتم تسجيلها والإبلاغ فوراً لاتخاذ الإجراء المناسب، وتسهيلاً على هؤلاء المرضى وذويهم». رؤية مستقبلية وطرح الزهراني الرؤية المستقبلية للطب المنزلي، الذي يقدم حاليا عبر أربعة مستشفيات تشمل مستشفى الملك عبدالعزيز التخصصي, مستشفى الملك فيصل, مستشفى الأمراض النفسية, مستشفى الأمراض الصدرية: «وسيتم تقديم البرنامج وفق خطط مدروسة مستقبلا من قبل المستشفيات الطرفية أو مراكز الرعاية الصحية الأولية». 48 ألف محتاج وإذا كان الخبراء يجتمعون اليوم وغدا لمناقشة الرعاية الصحية المنزلية، فإن تبلور محاور جديدة، يجب أن يكون على رأس الاهتمامات، لذا عرضت الدكتورة مها العطا، طرحها في توفير الشركة المتخصصة، التي تتولى الأمر، في وقت لم تكن الجهود التي تبنتها المؤسسة الخيرية الوطنية للرعاية الصحية المنزلية في المنطقة الغربية، برئاسة الأمير عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز، مجرد خدمات تقدم لعدد محدود من المرضى، بل ارتكزت على التوسع في الخدمات، خاصة في ظل تأكيدات الأميرة عادلة على: «هناك ما لا يقل عن 48 ألف محتاج للرعاية الصحية المنزلية في منطقة مكةالمكرمة، وسيزيد هذا العدد نتيجة زيادة الشيخوخة في المجتمع، لأن من تتجاوز أعمارهم 65 عاما سيتضاعف عددهم 6 % إلى 12% بين عامي 2005 و 2030، وكذلك نتيجة لتغير نوعية الأمراض من الأمراض المعدية إلى أمراض البلدان المتقدمة كالقلب والسكر والسرطان والشيخوخة وغيرها، فيما لا تزيد التغطية الحالية للحاجة للرعاية الصحية المنزلية عن 3 % من الاحتياج الكلي المطلوب». من هنا يتضح أن 46560 مريضا ما زالوا في حاجة للرعاية الصحية المنزلية، ما دفع المؤسسة - حسب الأميرة عادلة - للتوسع في تقديم خدماتها من خلال الشراكة مع مؤسسات المجتمع الأخرى «انطلقت المؤسسة في سبتمبر 1997، بهدف تقديم رعاية صحية منزلية، بالاشتراك مع المستشفيات العامة، للاستفادة المثلى من أسرة المستشفيات، وتوسيع الطاقة الاستيعابية لها، لخدمة أعداد أكبر من المرضى، وتلبية احتياجات المرضى النفسية والاجتماعية، ودعمهم بالمعدات الطبية والمستلزمات المستهلكة، وتعزيز القدرات الوظيفية والاستقلالية لهم، ونشر الوعي بتفعيل دور أسر المرضى في تقديم رعاية صحية لمرضاهم وتحويلهم إلى عنصر دعم لجهود الدولة في المجال الصحي، وتوعية المجتمع ومسؤولي المستشفيات الحكومية بأهمية خدمة الرعاية الصحية المنزلية، وإعداد جيل مبادر للعمل التطوعي وخاصة في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية». وبينت أن المؤسسة التي لم يتجاوز عمرها عشرة أعوام قدمت خدماتها لأكثر من 30 ألف مريض «ثلاثة آلاف مريض سنويا»، من خلال تواجدها في عدد من المستشفيات والمراكز، ومنها مدينة الملك عبدالعزيز الطبية، الحرس الوطني في جدة، مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي في جدة، ومركزها في المدينةالمنورة، ومستشفى القوات المسلحة في تبوك». ودعت الأميرة عادلة رجال الأعمال، والقادرين من كافة شرائح المجتمع للعمل على دعم أعمال المؤسسة الخيرية الوطنية للرعاية الصحية المنزلية لتؤدي رسالتها في خدمة المرضى وأسرهم وتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي. محاور اللقاء ويوضح رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر الدكتور سالم الضاحي المحاور الستة التي سيناقشها المؤتمر «الأول يسلط الضوء على إمكانيات الرعاية الصحية المنزلية في المملكة، ومدى شموليتها للمحتاجين لها، بالإضافة إلى إنجازاتها على مستوى البلاد، والثاني يتناول التجارب العالمية في الرعاية الصحية المنزلية، فيما يركز الثالث على مقدمي الرعاية الصحية المنزلية بين التحديات والاستمرارية، والرابع على كيفية تقديم خدمات الرعاية الصحية المنزلية بجودة عالية بأقل تكلفة، والخامس يبحث العلاقة بين المريض المحتاج لهذه الخدمات وعائلته، والفوائد النفسية والاجتماعية من رعايته صحيا داخل منزله فيما يتطرق المحور الأخير لدور الإعلام في رفع الوعي بالمسؤولية الاجتماعية في المجتمع السعودي». بدائل المستشفيات واعتبرت عضوة اللجنة العلمية ومستشارة برنامج الطب المنزلي للتدريب والتطوير بوزارة الصحة الدكتورة عائشة الصغير، الرعاية المنزلية، البديل المناسب للمستشفيات «وزارة الصحة استطاعت تقديم خدمات صحية للرعاية المنزلية لأكثر من خمسة آلاف مريض من خلال 77 مستشفى منتشرة في أنحاء المملكة خلال عام ونصف فقط، إن هذا العدد يعادل إنشاء عشرة مستشفيات بسعة 100 سرير». وأشارت إلى أن الرعاية الصحية المنزلية مسؤولية وطنية تحتاج من كافة القطاعات العامة والخاصة وكذلك الشرائح المجتمعية من أجل تقديم هذه الخدمة ودعمها «والمؤتمر فرصة لتطبيق تجارب واقعية على أرض الواقع نفذتها وزارة الصحة إلى جانب تجربة المؤسسة، لكن على الأسر عدم التخوف في بقاء المريض داخل المنزل، طالما تم توفير الخدمات التي يحتاجها من أجل التغلب على مرضه المزمن، لأن بقاءه داخل أسرته يعطيه الكثير من الأمان والاستقرار من المكوث في المستشفى بعيدا عن أهله وذويه». لكن عضوة المؤسسة جواهر ناظر تعلن بصراحة «كل أملي أن يسهم المؤتمر في زيادة اهتمام أصحاب القرار في المملكة بالرعاية الصحية المنزلية، ما يعني مستقبلا أفضل للمرضى المحتاجين أصحاب الأمراض المزمنة. الاعتناء بالمريض وبين رئيس قسم أمراض كبار السن وإعادة التأهيل بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية بالحرس الوطني الدكتور هاشم حسن بالبيد، أن الكثير من الأسر لا تعرف كيف تعتني بالمريض «ومن هنا يأتي المؤتمر من أجل الوصول إلى آلية وأسلوب عملي في مساعدة الأسر، وبالتالي تخفيف العبء على المستشفيات التي تعاني في بعض الأحيان من وجود مريض من المرضى طويلي الإقامة، ووجود فرق طبية متخصصة في الرعاية الصحية المنزلية تجوب المدن والمناطق، أصبح من أهم التوجهات الحديثة في العالم من أجل خدمة متميزة لهذه الأسر». وشرح عضو اللجنة المشرف على مركز المهارات السريرية والإنعاش القلبي الرئوي بكلية الطب جامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور عبدالعزيز باعقبة، أهم أهداف المؤتمر «تقديم خدمة متميزة وعالية الأداء بأقل التكاليف، باعتبار أن الأجهزة والأدوات المستخدمة في رعاية مريض المنزل عالية التكلفة، وهناك أسر لا تستطيع تحمل هذه التكاليف، من أجل بقاء المريض داخل أسرته، ما يجعله يهرب به إلى المستشفيات التي تكون أحوج إلى سرير لحالات أكثر احتياجا» .