قد يعني النزول من العلو إلى الحالة الأدنى أن الإنسان واقع تحت وطأة الخيبة بين ركام الفشل، أو أنه يداري حقيقة إفلاسه المادي أو المعنوي، وبدلا من البحث عن مخرج ترك نفسه للتيار في مجازفة لا يعرف معها أي قاع سيتشرف بتهشيمه بارتطام مؤكد. على سبيل المثال، فانحدار الذائقة الفنية مؤشر طريف إلى إفلاس الفنان أو توعك السمع لدى المتلقي، ونلاحظ أن كثيرا من الفنانين لديهم توجه بالجملة إلى التحول لمهنة «طقاقة» من خلال سهرات «الهشك بشك والوناسة»، ولا تدري هل العملية مجرد تحسين لوضعهم المادي، أو كساد في الكلمة واللحن! أو هو حنين متأخر للعودة إلى المنشأ الأول بعبارته الغارقة في ثقافة الأرصفة، وبالتالي فالوسط الفني حتى العمالقة من أهله في موعد مسبق مع كارثة تأخذ معها الجمهور لرحلة صوب هستيريا «الزار» وكل واحد يحجز له «جني محترف في التنطيط والحركات البهلوانية»! والمثير في الأمر كيف استطاع تجار القنوات استئجارهم من أصغر إلى «أطلق فنان» لينصاع لهم دون أن يفكر لحظة أن الفن رسالة لم يكن أو لم يعد يحترمها، حتى بات الكثير من الجيل الجديد يهوى «صرقعة الطيران»، وحتى مشاويرهم الصغيرة بسياراتهم أصبحت تجمعا صغيرا للطقاقات، وحفلاتهم المتداولة على مواقع النت تحكي التحول الخطير إلى سهرات «الشكشكة» التي لا تعرف فيها جنس الراقص! ولكل مجتمع ثقافته في الرقص وتاريخ حافل برسائل الجسد التي تترجمها كل منطقة بحسب تاريخها وعاداتها، لكن اليوم ضاعت تلك السمات في بحور الميوعة والسخافة، فعندما نحتقر أمرا فطريا لا يسعنا أن نتوقع نتيجة صحية، لننتقل من أصالة «العرضة» التي تحاكي الشجاعة والبسالة والنصر في الحروب والتغني بالأمجاد وعظيم السجايا ورفع السيوف والخناجر، إلى «هز الوسط»! وهي نتيجة متوقعة، فإحياء التراث محصور في أيام الأعياد واليوم الوطني والمناسبات الكبرى وأماكن خاصة حتى بات غريبا علينا، فإن لم نضع لنا خط سير واضحا حتى في الترفيه، سيتولى المهمة غيرنا كما يفعلون الآن. خارج النص: التفكير بصوت مرتفع لغة لا يتقنها الخائف ولا الكاذب.