بدأت بعض الطيور المهاجرة رحلتها الموسمية الشتوية إلى المملكة قادمة من أواسط قارة آسيا مستفيدة من وقوع الجزيرة العربية بين ثلاثة نطاقات جغرافية حيوية تعد من طرق الهجرة الرئيسية التي تغشاها في رحلتي الذهاب والعودة السنويتين. وتحط هذه الأيام في المنطقة الشرقية أسراب كثيرة متعددة من الطيور، وتبدو واضحة للعيان خاصة في المناطق الساحلية البعيدة والقريبة من المدن على حد سواء، وهو ما فتح الباب أمام تجدد الخوف منها ومن تأثيراتها في الإنسان بعد أن أكدت كثير من الدراسات البيئية أن الطيور العابرة للحدود تحمل معها كثيرا من الأمراض الخطيرة والتي تحتاج إلى احتياطات خاصة لتفادي خطرها خاصة فيما يتعلق بعمليات صيدها والاحتكاك بها. وقال الدكتور عبدالرحمن العنقري بقسم الدراسات الإكلينيكية في كلية الطب البيطري والثروة الحيوانية بجامعة الملك فيصل ل«شمس» إن أجواء المملكة ممر مفتوح أمام هجرة الطيور فلا جبل يعوقها أو بحرا، حتى أن أصغرها حجما يمكنه أن يقطع المحيط دون توقف، مشيرا إلى أنه ورغم الانتشار الواسع للطيور إلا أن أنواعها أقل بكثير من أنواع الكائنات الأخرى، حيث يصل عددها نحو تسعة آلاف يتمركز أغلبه في الغابات الاستوائية في أمريكا الجنوبية. وذكر أن هجرة الطيور تبدأ مع بداية فصل الخريف، من أواخر أغسطس إلى أكتوبر، في اتجاه الجنوب في رحلة الذهاب، ثم تبدأ رحلة العودة في الربيع، من مارس إلى مايو باتجاه الشمال: «هجرة الطيور أمر فطري، واختلف العلماء في معرفة أسبابها، بعضهم عزاه إلى التغيير في درجات الحرارة ونقص الغذاء، ومنهم من أرجعه إلى الغريزة، حيث تعود الطيور إلى أعشاشها القديمة في فصل الصيف بعد رحلة شتوية على أساس أن كل الطيور منشؤها الأصلي المناطق الحارة، وبعضها يبحث عن مناطق توجد بها مصادر أوفر للغذاء. مواسم وأنواع وفيما يتعلق بالطيور التي تصل للمملكة في مواسم الهجرة: «هناك الدخل، وهو طائر صغير متعدد الأشكال، ويبدأ وصوله مع أول أغسطس وله مسميات أخرى منها الدخل الأخضر والأصفر، والشيخ، والبصو، والعبيدي، والمغلطاني، وأبو طربوش، والشولة وغيرها. والخاضور وهو بحجم الحمامة الصغيرة، ويبدأ وصوله مع الدخل. والقمري في العاشر من سبتمبر، أما الصفار ففي 24 أغسطس، ويستقر أغلب الأوقات على قمم الأشجار العالية والكثيفة، أما طيور الماء فتبدأ رحلتها في الثالث من أكتوبر. والحبارى في 16 أكتوبر والأوز الشتوي في20 ديسمبر، وأيضا الكركي الذي يعتبر من أكبر الطيور المهاجرة حجما ويصل وزنه إلى ثمانية كيلو جرامات ويزيد طول جناحه عن متر». المرض المهاجر أما عن دور الطيور المهاجرة في نقل الأمراض للإنسان، فأشار الدكتور العنقري إلى أن هناك دلائل حديثة وضحت تعاظم هذا الدور ومن أهمها تلك الأمراض إنفلونزا الطيور «H5N1» والسالمونيلا والكلاميديا والتوكسوبلازما. وتلعب طيور الماء كالبط والأوز دورا في تكاثر إنفلونزا الطيور ونقله، حيث تعتبر الخازن الطبيعي لها بصفة عامة، كما أنها قد تحمل أنواع أخرى ضعيفة من الفيروس من فصيلة H5 أو H7، من دون أن تظهر عليها أي أعراض مرضية. وقال إن هناك احتمالين لهذا الدور. فبعض العلماء يرجحون أن الفيروس الضعيف يتغير ويتحور بعد أن ينتقل من الطيور المهاجرة إلى قطيع الطيور المنزلية، ويصبح شرسا دون أسباب معروفة. أما الاحتمال الثاني فهو أن الطيور المهاجرة أصبحت، وعلى غير العادة، تنقل بشكل مباشرة إلى الطيور المنزلية الصورة الشرسة من فيروس الإنفلونزا «H5N1»، مشكلة تهديدا كبيرا من حيث قدرتها على نقل الفيروس من بلد إلى آخر. أما الطريقة الرئيسة لنقل العدوى للإنسان فذكر أنها تحدث عن طريق الاحتكاك المباشر مع الطيور المنزلية المصابة أو الأسطح أو المتعلقات الملوثة ببرازها، خاصة عند غياب الاحتياطات الصحية، فقد حدثت الغالبية العظمى من حالات الإصابة والوفيات في المناطق الريفية بين مربي الطيور الذين يخالطونها بطريقة مباشرة دون أي ضوابط صحية». تطابق فيروسي وذكر الدكتور العنقري أن منظمة الصحة العالمية أشارت إلى أنه تبين، ولأول مرة خلال 2005، وجود مصدر كبير آخر من مصادر انتشار فيروس «H5N1» بين الطيور على الصعيد العالمي، غير أن الغموض لا يزال يحيط به، وازداد اقتناع العلماء بأن بعض الطيور المائية المهاجرة تحمل الآن، على مسافات طويلة، الفيروس في شكله الشديد، وتنقله إلى أسراب الدواجن الموجودة على طول مسارات هجرتها، وإذا تأكد، علميا، هذا الدور الجديد الذي تؤديه الطيور المهاجرة، فإن ذلك سيشكل تحولا في العلاقة المستقرة القائمة حتى الآن بين الفيروس ومستودعه الطبيعي المتمثل في الطيور البرية. وبدأت البيانات الداعمة لهذا الدور الجديد تظهر في منتصف عام 2005 وتعززت منذ ذلك التاريخ، فقد شهدت محمية بحيرة كينغاي الطبيعية الواقعة في وسط الصين، في أواخر إبريل 2005، نفوق أكثر من ستة آلاف طائر مهاجر جراء إصابتها بالفيروس الشديد الأمراض، مما يشكل ظاهرة غير مألوفة وربما غير مسبوقة. ولم تتعرض الطيور البرية، قبل تلك الحادثة، لحالات نفوق جراء فيروسات إنفلونزا الطيور إلا في حالات نادرة تعلقت ببعض الطيور التي عادة ما وجدت نافقة قرب سرب من الدواجن المصابة بالفاشية: «خلصت الدراسات العلمية التي قارنت بين الفيروسات المسببة لعدة فاشيات بين الطيور إلى أن الفيروسات المعزولة من آخر البلدان التي أصابها الوباء، والتي تقع جميعا على طول مسارات هجرة الطيور، مطابقة تقريبا للفيروسات المعزولة من الطيور المهاجرة التي نفقت في بحيرة كينغاي، شأنها شأن الفيروسين اللذين تم عزلهما من الحالتين البشريتين الأوليين اللتين حدثتا في تركيا وأدتا إلى الوفاة».