تمثل كندا بالنسبة للطلاب السعوديين، الكثير من الطموحات والأحلام، فيما تمثل لوزارة التعليم العالي المحطة الثانية على ما يبدو في توريد الكوادر الطلابية، إلى الدرجة التي بلغ فيها معدل الابتعاث في ثاني أكبر دولة في العالم، نحو 12 ألف طالب، بما يمثل نحو 13.3 % من إجمالي عدد المبتعثين في برنامج الابتعاث. لكن معدل الانسحاب بات يزداد يوما بعد يوم، والطلاب الذين يذهبون لكندا يلحظون منذ اللحظة الأولى الفارق بين محطة ابتعاثهم والمحطات الأخرى، وبالأخص البلد المجاورة لهم وهي أمريكا. هنا في كندا اللغة مختلفة، والعالم مختلف، والطلاب أيضا مختلفون، فالدولة لا تعترف إلا بقاموس عال من اللغة، ومن أراد فعليه الاستمرار، ومن لا يرغب فعليه الرحيل، برفقة من لا يستطيع مواصلة السير في اللغة أولا. ولأن اللغة تمثل الهاجس الأكبر للمبتعثين والمبتعثات في كندا، خرجت حملة «عطونا فرصة»، التي تفضح الوجه القبيح لصعوبة تعلم اللغة الإنجليزية، والرغبة في كسر الحصار الذي يطوق أعناق طلاب العلم. ولأن فترة ال 18 شهرا المحددة لتعلم اللغة الإنجليزية لا تكفي قطعا لتعلم اللغة وإتقانها، حسب الفترة التي حددتها الملحقية الثقافية في كندا «قبل قرار تمديد ثلاثة أشهر إضافية الذي صدر الأسبوع الماضي، بما يعرف ببرنامج تجسير»، كان على الطلاب محاولة التخلص من ذلك الهاجس، بما لا يدعهم يشعرون بمرور الوقت في اللغة، بعيدا عن الدراسة الأكاديمية، فاختاروا «المزاوجة» بين الدراسة الأكاديمية ودراسة اللغة الإنجليزية، لكن الملحقية الثقافية التي من المفترض أن تقف في صف الطلاب، لمعاونتهم، خرجت لتعلن جهرا، على غرار ملتقيات التحريم والتحليل التي تلقاها المبتعثون في المملكة، دون التطرق لنواح أخرى: «لا يجوز دراسة مواد أكاديمية مع مواد للغة الإنجليزية». حالة من الإحباط اعترت الأوساط الطلابية، خاصة في ظل المعدل العالي الذي تشترطه الجامعات الكندية للقبول والانتظام في الدراسة، فما الحل؟ اهتدى الطلاب لأسلوب الحملات على أمل «أن يرق قلب الملحقية» لتوافق على المزاوجة، فاختاروا لها الفيس بوك وسيلة للتداول، تحت شعار «عطونا فرصة». المبتعث المشرف على الحملة م.م، يرى أن: «هدف هذه الحملة استثناء الطلاب القدماء من هذا القرار التعسفي، فالقرار طبق على جميع المبتعثين في كندا دون مراعاة المدة الزمنية المحددة لهم ومتطلبات الجامعات الكندية». وعبر مبتعث آخر مشارك في الحملة عن أمله في أن يصل صوتهم من على بعد للجهة المسؤولة عن ذلك ممثلة في وزير التعليم العالي، لأن: «القرار الذي صدر من الملحقية عصف بكثير من أحلام الطلاب ويضر بما يزيد على %30 منهم». عصا المكافأة باتت عصا إيقاف المكافآت الوسيلة الوحيدة التي تخاطب بها الملحقية الثقافية في كندا طلابها، على الرغم من أنها تعد أسهل وسيلة لضياع مستقبل الطلاب المغتربين في بلاد لا يعرفون منها الشرق من الغرب. يقولون إن لديهم قوانين وأنظمة إشرافية جديدة، لكن المبتعثين يقولون إن كل الأنظمة الصادرة تعبر عن هواجس جديدة يعيشها المبتعث. يشترطون: «على المبتعث لمرحلة البكالوريوس أو الدبلوم على وجه الخصوص تقديم ما يثبت حصوله على قبول أكاديمي صريح وغير مشروط بدراسة أي مقررات في اللغة، وأن يكون القبول في التخصص والدرجة العلمية المبتعث من أجلهما». لكن المبتعثين يرون أن القبول الصريح في ظل صعوبة اللغة، يجعل 60 % من المبتعثين مطرودين من «رحمة المكافأة». ورغم انسحاب المئات من الطلاب بعيدا عن كندا، بعد التضرر من القرار، الذي لا ينسجم مع آمال وطموحات المبتعثين، أصرت الملحقية على موقفها، فانسحب من انسحب، حتى بلغ العدد 1400 منسحب، عاد منهم من عاد للمملكة، وحول منهم من حول لمحطة أخرى، والسبب قرار غير مدروس في نظر الكثير من المبتعثين. يقول مبتعث: «لو كان مدروسا، لما خرج قرار التجسير اللاحق، الذي يمنح فرصة إضافية للطلاب، وإن كانت لا تكفي». وحسب نص الملحقية بأن ما يعرف ببرنامج التجسير فإنه يعني: «البرنامج الذي تقدمه بعض الجامعات للطلاب الذين أكملوا كافة مستويات معهد اللغة التابع للجامعة أو المعتمد منها، والذي يتيح البدء بالدراسة الأكاديمية في التخصصات العلمية، إضافة إلى دراسة بعض مقررات اللغة، أي أنه يعد مرحلة انتقالية بين دراسة اللغة والانتظام الكلي في البرنامج الأكاديمي». وأشارت الملحقية إلى ضوابط الموافقة على البرنامج، والتي تتمثل في: «أن تكون الدراسة في برنامج التجسير، تقدمه جامعة موصى بها، حسب القوائم المعتمدة لدى وزارة التعليم العالي، أن يكون لدى الطالب قبول أكاديمي في الجامعة التي تقدم البرنامج وفق التخصص المبتعث من أجله، ألا تتجاوز مدة دراسة برنامج تجسير فصلا دراسيا واحدا، بحيث ينتظم الطالب بعده في البرنامج الأكاديمي انتظاما كاملا، أن يسجل الطالب وبحد أدنى في مقررين أكاديميين محتسبين ضمن متطلبات برنامجه الدراسي، ويستثنى من ذلك الجامعات التي يقتصر برنامج التجسير فيها على دراسة مقرر أكاديمي واحد، يمنع حذف أي مقرر أكاديمي أو أي من مقرر للغة خلال مرحلة التجسير». لكن الملحقية في قراراتها السابقة لوحت بأنه: «ستضطر آسفة لإيقاف الصرف على المبتعث ما لم يقدم ما يثبت ذلك». ويعتبر المبتعث س،ش قرارات الملحقية غير مجدية، وتسبب صدمة نفسية لجميع المبتعثين الموجودين في كندا: «سبب تدني مستوى اللغة لدى كثير من المبتعثين اعتماد الملحقية على معاهد محددة يصل فيها عدد السعوديين إلى 90 %، أضف إلى ذلك تمحور أغلب المبتعثين وكثرة تواجدهم في مدينة فانكوفر، والتي يتواجد بها ما يفوق عن 2500 طالب والبقية موزعون على المدن والمقاطعات الكندية، كما أن من ضمن المشاكل عدم تحديث موقع الملحقية بالقرارات الجديدة، وعدم ذكر رقم القرار الوزاري ومصدره مما يجعل الطلاب تحت ضغط نفسي، فتجد أغلب القرارات شخصية أو مجرد رأي. وينتقد المبتعث لمرحلة البكالوريوس في مدينة فانكوفر ن. ق، ما اعتبره تهديدا بإيقاف الراتب: «سئمنا من هذه اللغة، ويجب على الملحقية التفكير في طريقة أخرى تتعامل بها مع المبتعثين بعيدا عن التلويح بإيقاف المكافأة، وهي تعلم أن المبتعث يعتمد عليها اعتمادا كليا، فهل يعني ذلك رغبتها في تشريد المبتعثين، أقولها لهم ما هكذا تورد الإبل». ويرى المبتعث لدراسة مرحلة البكالوريوس خ.س أن فترة الثلاثة أشهر الجديدة لا تمثل الخروج من عنق الزجاجة، فالفصل الدراسي الواحد، في الغالب لا ينهي الدراسة، ونعود لنقطة الصفر، وأعتقد أن الملحقية أرادت بتعديل القرار، الحفاظ على ماء الوجه، حتى لا تتهم بأنها تقف في وجه مصلحة المبتعثين، لكن عمليا لا يمكن تحقيق ذلك، وبالنسبة لي قررت الانتقال من كندا إلى دولة أخرى». ويعتقد المبتعث س. ق أن قرار الملحقية، سواء السابق أو التعديل اللاحق، لن يحد من رغبة الكثير من المبتعثين في العودة من كندا: «وعلى وزارة التعليم العالي مراجعة الأمر، مع الملحقية قبل فوات الأوان، فمن غير المعقول أن تبقى الملحقية تقرر كما تشاء دون التعرف على أبرز الإشكاليات التي تتعلق بالمبتعثين». وتساءل المبتعث لمرحلة البكالوريوس ع. س: «إذا كانت الملحقية مهتمة في الأساس بمصير الطلاب، فلماذا لا تتابع المبتعثين، أو على الأقل تحذو حذو الملحقيات السعودية في الدول الأخرى التي تجبر الطلاب على التجربة لاختبارات اللغة الإنجليزية كل ثلاثة أشهر، وهي الخطوة المفقودة التي تجعل المبتعثين يفاجؤون بانتهاء مرحلة اللغة دون العلم باختبارات القياس». انسحاب الماجستير طلاب الماجستير لا تقل معاناتهم عن طلاب البكالوريوس، وحسب المصادر فإن «7 % من الطلاب فقط حصلوا على فرصة دراسة الماجستير، فيما البقية الذين تزيد نسبتهم على 93 % عليهم دراسة السنة التحضيرية للماجستير أو ما يعرف اصطلاحا ب mba، وهي تتطلب 500 في الجيمات التي تتطلب دراسة لا تقل عن ثلاثة أشهر للتحضير لها. المبتعث ر.ش على سبيل المثال، أحد الذين لم يتمكنوا بعد إنهاء مرحلة اللغة من الحصول على القبول لمرحلة الماجستير في فانكوفر الكندية: «أنهيت مرحلة اللغة المقررة، لكنني عجزت عن الحصول على قبول، ولا أمل إلا في التراجع والانسحاب، وتغيير محطة الابتعاث من كندا إلى دولة أخرى، وبالطبع أمريكا تمثل المفر للكثير من المبتعثين». وعلى ذات المنوال، عاش المبتعث في مدينة تورنتو خ.ع ظروفا عصيبة: «الجامعات الكندية أجبرت معظم طلاب الماجستير بدراسة البري ماستر وهي السنة التحضيرية للدخول في برنامج الماجستير، فيما المبتعث في كندا مثلا يستطيع الحصول على الماجستير في بريطانيا في غضون سنة واحدة». أما المبتعث ع. ج، ففضل الانسحاب من كندا: «أتواجد حاليا في السعودية منذ قرابة الأربعة أشهر دون أي عمل، أو شيء يذكر، فقط أسعى الآن للحصول على قبول لمرحلة الماجستير من أي دولة غير كندا، لأن دراسة الماجستير في كندا تعتبر مستحيلة» .