بينما كنت أقرأ خبرا صحفيا عن ذهاب شيخ المعلقين السعوديين محمد رمضان إلى ميونخ لإجراء عملية جراحية لإزالة خلايا سرطانية في العمود الفقري، بعد صدور أمر ملكي من خادم الحرمين الشريفين لعلاجه على نفقة الدولة، حزنت لحاله ولم أتمالك نفسي من الدعاء لهذا الرجل صاحب 72 عاما بالشفاء والعافية وطول العمر. لا لشيء.. لكن لاسم هذا المعلق ارتباط بذاكرتي وذاكرة أبناء جيلي من الذين عاصروا ذلك الصوت الذي صاحب «الزمن الجميل» في الرياضة السعودية، وأوائل الإنجازات الكروية السعودية عالميا. كان محمد رمضان صوتا حماسيا يصيح حتى تشعر أن أوتاره الصوتية ستتقطع، وهو يلهب مشاعرنا ويحبس أنفاسنا بطريقة عجيبة، ويجعلنا نشاهد لعبة في كرة القدم بجوارحنا وأعماقنا لا بأعيننا ووعينا، فنقفز بطريقة هستيرية، ورمضان يصيح حتى تكاد تتقطع نياط قلوبنا معه. وأثر ذلك بصورة فظيعة جدا في نفوسنا، ولا تسأل عن الامتحانات النهائية ومحمد رمضان «يخرش» أسماعنا قبل أن تتوقف قلوبنا مع الكرة وهي تسكن شباك الصينيين والكوريين والإيرانيين، فتنفجر الفرحة في كل البيوت وتنثال إلى الشوارع بجنون. طبع اسم محمد رمضان في مخيلتنا، في وقت كان التعليق فيه على المباريات شبه تطوعي أو بمكافأة لا تذكر في ظل بدائية النقل التلفزيوني للقناة الأولى السعودية ذات السيفين والنخلة وبدايات ظهور الشاشة التلفزيونية الملونة، وكان رمضان يعلق بضمير ووطنية وإحساس نادر، واكب أوائل «الفرح» الغامر الذي ألهب عقولنا وأرواحنا ونحن صغار، جاء قبل أن يتحول التعليق إلى فن، والمعلقون إلى نجوم يتقاضون أعلى الأجور ويتنقلون بتعاقدات كتعاقدات نجوم الملاعب بين القنوات، دون أن يملك أحدهم عشر معشار ما كان يبثه محمد رمضان في نفوسنا كمستمعين. أصبح التعليق الآن من مفسدات المزاج، أين ولى زمانك يا محمد رمضان؟ لقد جعلتني لأول مرة أكتب في شأن رياضي، وإن أنسَ لا أنساك ما حييت وأنت تصرخ بأعلى صوتك: «تكفى يا ماجد تكفى يا ماجد .. لتخليها تاريخية!».