يبدو أن فنان العرب مطالب في الفترة المقبلة بأن يرفع لافتة تحمل بطلنا حفلات «للإشارة إلى متعهدي الحفلات الخليجية والعربية والعالمية سواء كانت عامة أم خاصة بأن في أجندته حلما يرغب في تنفيذه لاسيما أن كل أدوات ومتطلبات هذا الحلم متوافرة ولا يبقى إلا أن يتحرك فعليا أبو نورة للاختيار والإنجاز بعد أن لمح إلى رغبته الجادة في التعاون مع أسماء شعرية حديثة. خطوة ذكية لو تحرر محمد عبده من عباءة الأسماء الشعرية التي احتكرت صوته لفترة ليست بالقصيرة ويستبدلها بالأسماء الشعرية الشابة ليثمر التعاون عن أعمال غنائية مختلفة مؤثرة لا تمحو من الذاكرة بتاتا كما هو الحال لأعماله التي لا يزال يصدح بها من على المسارح والصالات ويتمايل معها آلاف الحاضرين ويرددون معه كلماتها كونها كلمات اجتاحت أجسادهم واستوطنت مشاعرهم لسلاسة لفظها وقوة معانيها بصوته الملائكي. حقا إنه حلم لكل شاعر أن يتغنى فنان بحجم وقيمة محمد عبده لما جادت به قريحته، وحلم جميل أن يفاجئ أسطورة الفن الذي لن يتكرر محبوه في كل مكان بألبوم يحمل نصوصا مختلفة وجديدة لأسماء شعرية حديثة على الساحة، والأجمل من كل ذلك أن تكون النصوص المنتقاة تناسب ذائقة جمهوره الذي أحبه حد الثمالة لاختياراته الفنية الصعبة. النهوض بالأغنية السعودية يتطلع جمهور عبده أن تنعكس هذه الخطوة إيجابا للنهوض بالأغنية السعودية التي تشهد في الآونة الأخيرة انخفاضا ملحوظا من حيث الانتشار لاسيما أعمال فنان العرب والذي رغم تألقه وتوهجه في الحفلات إلا أن أعماله الجديدة سرعان ما يمل منها الجمهور، ويبدو أن مجاملته لبعض الأسماء الشعرية وانشغاله بأعماله التجارية الخاصة، إضافة إلى إحياء الحفلات في كل أنحاء المعمورة ساهم بشكل كبير في عدم تقديم أعمال ربما لا توازي ولو مقطعا بسيطا مما أتحفنا به لأكثر من أربعة عقود. وبما أن سياق الحديث قادنا إلى الحفلات فلا نجد حرجا أو مانعا من أن نعرج عليها، حيث تفرض علينا المهنية الصحفية أن ننصف أبا نورة ونتغنى به ونحن نشاهده يصول ويجول العالم، ويطرب كل من يكون هناك ولا يكتفي بذلك بل يثير الإعجاب والدهشة إلى درجة قد تنطق الألسن بكلمات «غير معقول، شيء لا يصدق» وتكمن الدهشة والإبهار في وقفته الشامخة أمامهم على قدميه لساعات طويلة فاردا إمكانياته الفنية ومجددا حضوره الطاغي ومؤكدا عظمة خامته الصوتية وهو يصدح بأغانيه الذهبية بصوته الشجي رغم أن الحياة علمتنا أن الإنسان كلما يتقدم به العمر ترتخي أوتاره الصوتية لتزداد خشونة الحنجرة فيصدر صوتا غليظا، ولكن محمد عبده خالف هذه القاعدة الحياتية – إن جازت التسمية – فكلما يتقدم في السن تبقى أوتاره الصوتية صافية وضخامة حنجرته وقوة صوته لا تتغير فضلا عن قدراته العجيبة كقدرته على حبس أنفاسه في داخله إلى أن يؤدي المقطع الغنائي بكل يسر وسلاسة وصفاء دون توقف «وتفتفة» كما يحدث مع بعض الفنانين، وبالتأكيد هذه هبة من الله لا تتوافر إلا في مطربين عمالقة لم يبق منهم سوى محمد عبده فقط والذي لا يختلف عليه اثنان من العقلاء بأنه من صنع تاريخا للأغنية السعودية بعد الأسطورة طلال مداح ومهما اختلفنا في وجهات النظر أو الذائقات حتما سنتفق على أن ابن عبده ليس له شبيه ولا خليفة ولا منافس على مستوى الغناء العربي. تحفيز هذه القدرة الهائلة في الصوت والأداء والإحساس والإمكانيات الفنية تدفعنا إلى تحفيز وتشجيع فنان العرب بإعطاء الشعراء الجدد فرصة العمر بتسخير حنجرته الذهبية ومساحة صوته المتسعة لهم عل وعسى أن يقدم أعمالا تنافس فيه أعماله الذهبية القديمة التي رغم مرور عشرات السنين ورغم التغيرات التي طرأت على المجتمع لا تزال تحظى بإقبال وإعجاب الملايين. فعلا حان الوقت ليحبس أبو نورة أنفاس الحفلات ويتفرغ لجديده مستثمرا قدراته الفنية والصوتية الحية في تقديم أعمال مختلفة في الفترة المقبلة، فالفتافيت التي يقدمها في الآونة الأخيرة لا تشبع رغبات جمهور الذي لا يرضى بأقل من أعمال دسمة كالمعازيم، إلا وأشيب عيني، البراقع، كل ما اقفيت، لنا الله، مركب الهند، ايوه، ليالي نجد، المعاناة، شبيه الريح، البرواز، وهم، ابعتذر، ما عاد بدري، أنت اللي تغيرتو، اعتر فلك، بنت النور، اختلفنا، الأماكن، من بادي الوقت، في الجو غيم، لو تخليت، رحت يم الطبيب، ضناني الشوق. جمرة غضى وغيرها من أعمال عالقة في الأذهان لن تتحقق إلا بالتعاون مع أسماء جديدة مادامت الأسماء الشعرية المعروفة أصبحت لا تقدم المأمول منها .