في فيلم «الكرنك»، وهو من أفلام الأبيض والأسود، كان وحيد سيف ممسكا بالجريدة يحل الكلمات المتقاطعة ويبحث عن دولة عربية من ثلاثة حروف، وبعد تفكير قال أخيرا: «قطر»، فسخرت منه سعاد حسني قائلة: قطر مين يا عم؟ مصر يا أستاذ!. لم تتزحزح هذه الصورة النمطية عن دول الخليج في بعض الدول العربية ذات الإرث الحضاري الثقيل والامتداد الثقافي البعيد، من أن بلدانهم هي الحضارة والتاريخ والثقافة والفنون وأن بلدان الخليج لا تملك إلا المال فقط!. واليوم أثبتت قطر أن التنمية الاقتصادية الهائلة لم تمر قبل بناء الإنسان القطري، وأن نموذج الدولة العصرية لم يتم شراؤه بل صناعته بواسطة تربية أجيال عصرية، ففي عرض الملف القطري لاستضافة مونديال 2022 تحدث الشيخ محمد بن حمد، ابن الثانية والعشرين، بلغته الثالثة ثم الثانية قبل أن يواجه الإعلام العربي بلغته العربية الأم، وقد تعلم اللغات الثلاث في جامعات قطر، وليس في فرنسا وأمريكا. فبعد استبعاد المغرب من استضافة المونديال بعد التقدم بطلب الاستضافة أربع مرات، والصفر الشهير الذي نالته مصر، جاء هذا الشاب على رأس الكتيبة القطرية ليقنع الفيفا ودول العالم ويحضر كأس العالم إلى الشرق الأوسط والعالم العربي لأول مرة في التاريخ. فبينما تنهمك قطر في رصف البنى التحتية وبناء الملاعب الحديثة واستضافة التظاهرات العالمية والنظر للمستقبل، لا يزال الآخرون يتكئون على التراث والتاريخ والماضي سواء كان الحضارات والعلوم والفنون كما في الدول العربية، أو مزايين الإبل كما هو عندنا. قطر وضعت اسمها على خريطة العالم وسخرت من مفاخر الآخرين الزائفة، وأثبتت أن الماضي لا يصنع أمجاد الحاضر ولا أحلام المستقبل، وإنما يصنعها الأمل والعمل والتخطيط السليم واستثمار الثروات المتاحة في التطوير والإنماء. وقالت بصوت يردده العالم للأبد: دولة عربية من ثلاثة حروف هي قطر يا أستاذ!.