تطرقت في مقالي السابق إلى حال المرأة السافرة «قليلة الأدب» حسب الفهم الشائع، مغطية الرأس بالاتفاق وكاشفة الوجه بالاختلاف، وذكرتُ بعض الأصناف التي توجد في التجمعات المختلطة «لنقل اختلاطا عرضيا منعا لسوء الفهم»، من نقاب ولثام وغطاء، ولن أدخل هنا في الفتاوى الشرعية وحكم النقاب وفرقه عن اللثام، لكن ما نلحظه دائما هو تعليب الحجاب ووضعه في قوالب جاهزة، وتحت مسميات براقة، كإضفاء العفة والطهارة على عباءة الرأس، وكأنها الطريق الأوحد للعفاف والأخلاق والمُثل. أذكر في مدرستي الابتدائية «المتحفظة جدا»، يتمحور هدف المعلمات والمديرة على تعليمنا كيف نرتدي عباءة الرأس، ومغبة الانسياق وراء الملذات والشهوات واتباع الشيطان والفاسدات من ذوات عباءة الكتف! سواء بالترغيب، من محاضرات ونصائح ومطويات، أو الترهيب، من كتابة التعهدات وخصم درجات سلوك! في حين كنت وزميلاتي في مرحلة مشقة الحفاظ على أداء الصلوات المفروضة! التي لم تتطرق لها المدرسة ولو بجهد أقل من جهد العباءة. أذكر لوحة حائطية عند مدخل المدرسة لفتاتين، ترتدي إحداهما عباءة على الكتفين وتلتهب تحتها النار، في حين ترتدي الأخرى عباءة على الرأس وفوق رأسها تاج مرصع بالجواهر وحولها مختلف أنواع الورود والأزهار، تسطرها مقولة بالأحمر العريض «العباءة للفتاة كالتاج.. فهل رأيتِ تاجاً يوضع على الكتفين؟»، أقف يوميا عند البوابة أتأمل الفتاة ذات التاج، وأتساءل لا أحد يرتدي تيجانا هذه الأيام، ثم تقع عيني على النيران المتأججة للفتاة «ذات الكتفين» فيرتعد جسدي خوفا وأتوقف عن التفكير، وأستغفر ربي. أسترجع حاليا العديد من الدروس والعظات والتحذيرات حول الحجاب والعباءة، وأتوقف مطولا عند «الهدف من الحجاب وعباءة الرأس»، وهو دائما الحفاظ على عفة المرأة، وعدم إثارتها للشهوات، هكذا إذن إجابة وأنموذج جاهز للتصدير، لتكوني عفيفة وشريفة التزمي بالحجاب وعباءة الرأس، وتنالي صك العفة، لكني لم أستوعب حتى اليوم كيف يكون نصف مليار مسلمة يعذبن في النار إلا نحن.. بسبب عباءة على الرأس.