كتب الباحث إبراهيم السكران مقالا طويلا أخيرا عن المال العام وأحكامه في الإسلام، وكشف بعض المغالطات التي تتصل بهذا المفهوم وتلقي بظلالها على نظرة بعض المواطنين وتعاطيهم مع هذا الأمر. تعرض خلال المقال للفساد وجاء على ذكر البيئة النظامية الحالية لمكافحة الفساد في المال العام، والمتمثلة في مؤسستي «هيئة الرقابة والتحقيق» و«ديوان المراقبة العامة»، وذكر مقترحا لتطوير هاتين المؤسستين قد يحدث ثورة في مجال حفظ المال العام ومكافحة الفساد، اختصره بقوله: «أن يتاح المجال للناشطين غير الرسميين للمشاركة في حفظ المال العام، فلو أتيح – مثلا - للشباب المتدين أن يعمل تحت مظلة هيئة الرقابة والتحقيق للاحتساب على الفساد الإداري والاستفادة من صلاحيات الهيئة في التحقيق والتفتيش». ما أثار إعجابي في هذا المقال هو تعرضه بالنقد لبعض الثغرات القانونية التي فتحت بابا للاستغلال بصورة مباشرة، وإيراد بعض النماذج الشائعة لصور الاستغلال والعبث. أما ما لم أتفق معه فيه، فيتعلق بالحلول «وهو شق مدني»، إذ أرى أن هذا المقترح الأخير لا يمثل حلا مؤسسا على رفع وعي الفرد بالمسؤولية الشخصية والأخلاقية، وتكريس روح النزاهة والأمانة، ولا يضع دعائم قانونية في المحاسبة والرقابة تحول دون وقوع الفساد، ولا يستفيد من تجارب دول حققت قفزات هائلة في مكافحة الفساد، وإنما يعبر عن ثقافة متجذرة بأن الحل دائما هو بتوسيع قاعدة الاحتساب ولو بصورة غير منضبطة عبر فتح باب التطوع للتفتيش والتحقيق أمام الناشطين غير الرسميين، الأمر الذي يفتقر إلى التقنين والضبط القانوني للصلاحيات المعطاة، وغير محصن من بواعث التسلط والتعقيد على الأرزاق وربما تصفية الحسابات الشخصية لدى البعض باسم صيانة المال العام. لا بد من إدراك أن مسألة الفساد بالدرجة الأولى عائدة إلى تلوث بعض الضمائر بخلل أخلاقي واجتماعي سرعان ما يشيع بالسكوت عنه ولا ينتهي بزيادة أعداد المفتشين والمحققين، فالردع الجزائي فرع عن التوعية الأخلاقية والاجتماعية بقيم ومبادئ الشفافية والنزاهة والشرف ومراقبة الله سبحانه، لا أن تكون سابقة عليها.