في الأعوام الأخيرة أصبحت الساحة الغنائية حكرا على الشعراء الأغنياء من أصحاب الأموال الذين باتوا يسيطرون بصورة كبيرة على ألبومات الفنانين الذين يتواطؤون معهم من أجل البحث عن مكاسب مادية بغض النظر عن أي شيء، ولو أخذنا ألبومات مجموعة من الفنانين النجوم لرأينا الأسماء المدونة عليها تحتكرها فئة باتت تتسيد المشهد وتتحكم في توقيتات طرح هذه الألبومات بل قد يؤخر الفنان ألبومه ويرمي بنداءات جمهوره عرض الحائط من أجل انتظار أحد هؤلاء الشعراء كي يعود من رحلته الخارجية، الأمر الذي تسبب في انسحاب عدد كبير من الشعراء من أصحاب الكلمة الطربية ممن لا يملكون الأموال الطائلة ليرضى عنهم النجوم، فهؤلاء ابتعدوا واقتصر حضور بعضهم في الحضور من خلف الكواليس من خلال بيع القصائد وعدم تركها حبيسة الأدراج. أنانية هؤلاء الشعراء وتنافسهم انتقل من عالم البورصة والعقارات إلى حناجر الفنانين وكأن أحدهم يبلغ ذروة المجد عندما يطلق عليه مصطلح شاعر غنائي. وعلى الجانب الآخر نجد أن الفنانين لم يستسيغوا القصائد التي لا تكتب على طاولة واحدة هي والشيكات التي يقبضونها حتى حولوا الأغنية إلى ما يشبه التعاملات التجارية والتي عادة ما تكون واضحة في أغاني «السنجل»، هذا الأمر كان يحدث في فترة التسعينيات على نطاق ضيق، أما الآن فأصبح الأمر علانية وعلى عينك يا تاجر، وإذا كان الأمر قد أفاد الأغنية من ناحية الانتشار إلا أنه أضر الفنانين الشباب الموجودين في الساحة وأصبح لديهم نفس هاجس ممن يسمون ب«النجوم» لذلك لا أستغرب من أحد الفنانين الشباب الذي طلب مني مساعدته للوصول إلى الشاعر الفلاني الذي يتكفل بالأغنية والألبوم والكليب وكامل «الباكيدج». هذه الظاهرة التي انقسم عليها البعض غيبت الكثير من الأسماء التي كانت الساحة بحاجة إلى إبداعهم ونتاجهم، ولعل ابتعاد الشاعر سعد الخريجي وعلي عسيري وعبدالرحمن الحوتان ومحمد الأسمري ومساعد الشمراني عن التواجد والظهور مثل السابق يطرح خلف غيابهم عدد كبير من الأسئلة والاحتمالات المفتوحة، وأيضا سأستشهد بما قاله الشاعر الغنائي وسيم باسعد الذي أكد في أكثر من ظهور صحفي أن الفنان جواد العلي حاول «سمسرة» نصه على أحد الأثرياء، وبعد هذه الحادثة دخل الاثنان في أزمة لا تزال إلى الآن، كذلك حديث الشاعر عبدالله حمير الذي نزل نصه في ألبوم الفنانة أحلام يحمل اسم أحد الشعراء الغنائيين، بعد أن تمت «السمسرة» إلا أن الوسيط لم يعط الشاعر ما كان يأمله فأثار القضية إعلاميا، وهذه النصوص المشبوهة التي تتعرض لصفقات مالية من شنطة إلى شنطة على طريقة الأفلام البوليسية تعبر عن حالة الوسط في الفترة التي نعيشها، وأن المادة أصبحت لدى الفنانين الذين يدعون الرسالة والمثالية كل شيء، وما إن يسقط في يد أحدهم نص جميل حتى يفكر في تسويقه ليجني من ورائه مبلغا من المال دون خجل أو احترام للفن والجمهور، وفي السابق كانت الأغنية السعودية تقدم في فتراتها مجموعة جديدة من الملحنين والشعراء، أما الآن فلم يعد هناك متسع لذلك ولم يعد هناك نظيف مالي في الوسط سوى الفنانين المغمورين وبعض الشعبيين الذين لا يأملون من الشعراء سوى الكلمة بعيدا عن أي اعتبارات أخرى .