منذ ستينات القرن الماضي، وبعيد استقلالها بفترة قصيرة، عرفت دولة موريتانيا الشقيقة بأنها بلد المليون شاعر، كناية عن حب مواطني هذا البلد للشعر وتعلقهم به. وكانت هذه المقولة وردت في تحقيق نشرته مجلة العربي الكويتية سنة 1967. قد نختلف حول دقة هذا العدد خاصة إذا عرفنا أن عدد سكان موريتانيا لا يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف حسب آخر إحصاء تم في البلاد سنة 2005, لكن ذلك لن يغير شيئا ولن يسحب اللقب من البلد العربي الشقيق لأنه ارتبط به ارتباطا لا يمكن نزعه. في الأعوام القليلة الماضية صرنا ننافس موريتانيا، وربما وخلال الفترة المقبلة سننتزع منها هذا اللقب ببساطة! وربما سنزيد عليها بما لم تأت به ونصبح بلد المليون شاعر والمليون روائي والمليون حقوقي والمليون محلل رياضي وخبير اقتصادي أيضا، فالألقاب المجانية صارت أكثر من الهم على القلب، وغدت من ضروريات التواصل الاجتماعي والثقافي، فحين تذهب لحضور أي فعالية لا بد أن تحمل لقبك معك حتى وإن كان يثقل كاهلك، ولك أن تختار اللقب الذي يتناسب مع «برستيجك», فإن كنت ممن خسر ثروته في الأسهم فالأفضل أن تكون محللا اقتصاديا, وإن كان فريقك الرياضي خسر بطولة قارية كان قاب قوسين أو أدنى من إيداعها خزائنه فلا أنسب من الخبير بشؤون الاتحاد الآسيوي تعريفا لك, أما إن كنت قد دونت بعض سيرتك الذاتية العظيمة بين دفتي كتاب أصدرته أعرق الدور العربية، فأنت روائي عظيم تستحق أن تحوز أعظم الجوائز وتترجم هذا العمل فائق التكنيك إلى لغات العالم الحية والميتة إن استطعت. كما أنك مجاز بتبديل لقبك و «ال» تعريفك متى شعرت بملل أو وفقا للظروف المواتية ورغبة الجمهور المغلوب على أمره. حينها لا عليك سوى أن تتعرف على أحد العاملين بقناة فضائية أو صحيفة مرموقة وتوثق علاقتك به وهو سيتكفل بالباقي بما أن كل شيء مجاني و «ببلاش!».