تضطر ظروف الحياة وبوصلة القدر الشاب أحيانا إلى أن يقف على أعتاب باب الوصاية المبكرة على أسرته بسبب طلاق الأم أو وفاة الأب أو سفره أو هجرانه لهم أو أي ظرف اجتماعي قد يعترض مسيرة حياة شاب انتقل إلى موقع المسؤولية باكرا ليصطدم بجملة من العوائق والمشكلات والامتحانات الدنيوية التي قد وجهت بعض هؤلاء الشباب إلى الجانب الإيجابي وأثبتوا نجاحهم في ذلك ورسموا صورة مشرقة للشاب السعودي الذي قاد دفة المسؤولية نحو الأمان وثمة نماذج أخرى على النقيض لم يستطيعوا أن ينجحوا في المهام المناطة بهم داخل الأسرة وتوجهوا إلى جانب مظلم طغت عليه ملامح الذاتية والضياع له ولأسرته التي ترى فيه القائد والمسير لأمورها. وسط هذه المسؤولية الباكرة «شمس» تناولت القضية من جميع أطرافها وخلفياتها وسبرت أغوارها من كل الجوانب. الشاب خالد محمد سناري 26 عاما تولى مسؤولية أسرته المكونة من والدته وإخوته الخمسة «3 أبناء وبنتين»، بعد وفاة والده قبل سنة تقريبا، ما جعله أمام المسؤولية الأسرية في سن مبكرة ليحاول الجمع بين الدراسة في الكلية التقنية تخصص هندسة معمارية والعمل، لإعانة أسرته: «لا أخفي الأمر، لأنني في البداية شرعت بالخوف من تلك المسؤولية التي جاءتني فجأة، دون سابق إنذار لأجد نفسي مسؤولا عن أسرة كاملة، فيما كنت بالأمس القريب ضمن مجموعتهم الذين يتولاهم الأب كمسؤول ورب للأسرة، لكنها إرادة الله عز وجل، ولا راد لقضاء الله، لذا أيقنت أن العون بيد الله، فيما شجعني على المضي قدما خواطر ونصائح المحبين من الأقارب والأصدقاء، الذين آزروني في أهمية رعاية إخوتي وتربيتهم والوقوف على شأنهم وتلبية حاجاتهم، ومتابعة أمورهم، وأعتقد أن تجربتي يمكن أن تمر على أي شاب، في تولي المسؤولية المبكرة، بعيدا عن الموت، لذا يجب المبادرة في التهيؤ لها، وأن يكون أهلا لتلك المسؤولية، وألا يخذل من هم حوله، ويضع في باله فكرة واحدة بأنه قادر على تلك المسؤولية، وألا يتبادر إلى ذهنه عدم قدرته على القيام بها على أكمل وجه، لأن هذا الهاجس إذا استمر معه فإنه حتما سيفشل». أنماط الرعاية وبين سناري أن مسؤوليته تعدت الإنفاق على الأسرة إلى المتابعة الدائمة لإخوته الصغار، سواء من حيث تربيتهم أو مذاكرتهم، بالإضافة إلى توفير حاجات الأسرة المعيشية، بطريقة تضمن توفير كل شيء لهم، إضافة إلى رعاية والدته والوقوف بجانبها منذ وفاة الأب ومساندتها وكذلك متابعة أي مشكلة أو عائق يواجه أي فرد في الأسرة. أنموذج سيئ لكن على النقيض في نموذج النجاح، عانت العديد من الأسر من بعض أبنائها في ظل مشكلات متعددة متعلقة بالمال، ومن هذه الشكاوى استيلاء الأخ الأكبر على راتب الأب في ظل توجهه لاستغلال سلطة الوصاية في أمر يتسبب في شتات الأسرة وضياعها ماديا. وسجل المجتمع في العديد من المدن، بعض القضايا الخاصة بتبديد الأخ الأكبر راتب الأب بعد وفاته، والاستيلاء عليه وعدم الصرف على الأسرة، حيث عانت بعض الأسر من حاجات شديدة وسط تولي الأخ الأكبر الأمور المالية. ن. رمز لشاب من أبها فضل الاحتفاظ باسمه، خوفا من الأخ الأكبر المستبد حسب وصفه يكشف الحال الذي بلغته أسرته في أعقاب وفاة الأب: «الذي ترك لنا راتبا تقاعديا، ليتولى المسؤولية أخي الأكبر، الذي لم يلبث حتى ضاعف على الأسر الضغوط المختلفة من مختلف الاتجاهات، فمارس علينا سلطة وتعاملا جافا وسؤالا متكررا عن الخروج، وبدأ يفرض عقوبات تحرمنا من المال، في ظل أن المال والوصاية بشكل كامل أصبحت في يده، على الرغم من محاولات والدتي المتكررة لثنيه عن هذا النمط، لكنه يعده النموذج الحقيقي في التعامل، وأصبح جل الراتب يذهب كمصاريف شخصية له، دون الالتفات إلى الأسرة وحاجاتها ومصاريفها، وصعد منا شكوانا للأقارب للتدخل ولإيقافه عن مثل هذه التصرفات، التي باتت الأسرة تعاني منها بأكملها، إلا أنه واصل فيه، بدافع الشفقة على أوضاع الأسرة، أو الوصاية حسب مفهومه، ونحن الآن نتجرع مرارة اليتم والوصاية المقلوبة. قضايا ومحاكم وفي المحاكم أيضا سجلت المحاضر العديد من الحالات التي وجدت الأسر نفسها لا تستطيع حسم الأمور فيها، فيما الأخ الأكبر أو الوصي يرفض الانصياع لأمر العقل أو الواجب الديني. وأشارت بعض المحاضر أن الأسر باتت في قبضة من حديد، بعدما تولى بعض الشباب المسؤولية، وسلكوا طريقا مغايرا لمفهوم الوصاية أو حتى القوامة في الأسر التي تضم فتيات، ليمارسوا العنف الجسدي، بكل ألوان صنوفه، دون تمييز أو عقل. احسموها بالتقاضي ويعد الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء عضو مجمع الفقه الإسلامي الدكتور محمد النجيمي أن الواجب يقع على عاتق الأسر في متابعة الوصي عليها «فإذا كان شخصا لا يحسن التصرف في الأموال أو متابعة شؤون الأسرة كما ينبغي، وتحدث من خلال مسؤوليته مشكلات للأسرة، فيجب على ذويه اللجوء للقضاء، لأن القاضي لا يعلم بما يحدث، وفي ذلك ضمان بالسير بالأسرة نحو الأمان وتسيير أمورها بشكل سليم وإيجابي، والوصي يجب أن يكون شخصا بالغا عاقلا رشيدا في تصرفاته، يعي ما تمليه عليه تلك المسؤولية، والدور على الأسرة في هذا الجانب المحافظة على كيانها من خلال مسؤولية الوصي، وإذا حدثت مشكلات معينة فيجب أن تتجه إلى القنوات الرسمية، كي لا تحدث آثار سلبية إضافية تعود بالسلب على مستقبل الأسرة». مشكلات متعددة ويشير المستشار القانوني الدكتور هادي اليامي إلى أن هناك قضايا متعددة تصل إلى القضاء بشأن الأوصياء، خصوصا فيما يتعلق بتولي وصي شاب على أسرة تضم نساء أكبر منه سنا، وتلاحظ أنه لا يجيد التصرف في بعض الأمور، فتحدث مشكلات متعددة في بعض الأسر، إضافة إلى المشكلات المتعلقة بتصريف الأموال والعقار والتركة، وغيرها من المشكلات المترتبة على قيادة الشاب لأسرة في سن مبكرة، على الرغم من أن هناك نماذج إيجابية في هذه المسألة: «أنصح كل من تقع عليهم المسؤولية التصرف برشد وبحكمة، لما فيه ضمان لمسيرة الأسرة، وعلى الجانب القانوني يحق للمتضررين من تصرفات الوصي إذا كانت خارجة عن مصالح الأسرة وتهدد مستقبلها اللجوء للقضاء إذا رأت أن مصلحة الأسرة تقتضي إعادة النظر في الوصي». قضايا حقوقية وكشفت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أن هناك عددا من القضايا استقبلتها الجمعية بخصوص قضايا تتعلق بشكاوى من بعض الورثة وأفراد الأسرة ضد أبنائهم الكبار أو الأوصياء الذين تسلموا مسؤوليتهم، وعادة ما تتعلق تلك القضايا باستغلال لسلطة الولاية وعدم تسليمهم حقوقهم المشروعة وحرمانهم من بعض النواحي المالية وعدم استخراج بعض الأوراق الثبوتية التي تخصهم، وعادة ما تكون معظم الشكاوى من النساء اللاتي تقدمن بشكاوى حول هذا النوع من القضايا. وشددت على أنها تتابع تلك القضايا التي ربما تزيد من منطقة لأخرى، لأنها مرتبطة بأفراد وليست مناطقية، فيما الجانب التعليمي ربما أصبح لا يؤثر في مبدأ التسلط من بعض الشباب الذين يمارسون سلطة الأوصياء: «بعضهم متعلم، ومع ذلك لا يعترف بالرأي الآخر، ولا يقبل حتى الرأي الأول، لذا فالعملية لا ترتبط بسن معينة، ولا مستوى تعليمي، لأن هناك نماذج ناجحة يكون خلفها شبان لا يعرفون لوحة المفاتيح، ولا يفهمون معنى الألف، لكنهم قادوا أسرهم لبر الأمان». التربية ترجح الكفة لكن الاستشاري النفسي الدكتور محمد الحامد، ربط بين عملية التعامل الجيد مع فكرة الوصاية، وبين التربية الأسرية منذ البداية: «هناك العديد من الشباب الذين تولوا مسؤوليات أسرهم في سن مبكرة وسط مسؤوليات أخرى تتعلق برعاية إخوتهم وتربيتهم ورعاية أمهاتهم، أو غير ذلك، في حين أن هذه المسؤولية تحددها عوامل التربية داخل الأسرة ذاتها، فإذا كان الشاب الذي تولى هذه المسؤولية تلقى جرعات من التربية والسلوك القويم ضمن الأسرة، واعتاد على معاني العطف والاحترام والمسؤولية عن إخوته، فهو حتما سينجح في قيادة الأسرة إلى النجاح والأمان، إضافة إلى مراقبة الأسرة له منذ الصغر وتعويده على سلوكيات تتواءم مع أخلاقيات الشاب المسلم، وبالتأكيد فإن كل ذلك سيصب في مصلحة الأسرة، أما إذا اعتاد الشاب على تربية غير سوية من الأسرة ولم تغرس بداخله معاني الالتزام والرعاية لأسرته والحرص عليهم، فإنه حتما لن ينجح في تولي هذه المسؤولية التي تحتاج إلى صفات معينة في الشاب المسؤول عن أسرته وتحددها التربية التي تلقاها في كنف أبويه». المساعدة مطلوبة ويرى مدير الخدمة الاجتماعية بمستشفى الملك فهد بجدة طلال الناشري أن المسؤولية المبكرة أمر في غاية الصعوبة للشاب، ويصطدم من خلالها بعدة عوائق اجتماعية ونفسية وحياتية مختلفة: «الشاب لديه عدة مسؤوليات تتعلق بدراسته ومستقبله، ولا شك أنه كان يؤديها كمنفردة عندما كان في بداية الأمر ضمن نطاق الأسرة، ولديهم أب مسؤول عنهم، إلا أنه ومع وفاة الأب أو سفر أو أي ظرف حياتي واصطدامه ووقوعه على بوابة المسؤولية، يجعله على مفترق طرق كثيرة، ومن وجهة نظر اجتماعية فإن ثمة إشكاليات في هذه الحالة، وقد يفشل الشاب في عدة حالات إذا لم يتم مد يد العون له والمساعدة باكرا، لأنه سيظل يعاني من عوائق مصاريف أسرته ومسؤولية دراستهم ومستقبلهم ورعايتهم، وحتى تربيتهم، وتبدأ المشكلات إذا كان الشاب صغيرا في السن أو لديه مسؤولية دراسية في جامعة، وكذلك إذا كانت الأسرة تحتاج إلى مصاريف، ولا يفي ما تملكه من دخل». وشدد على وجود جهات اجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية تقوم بدور المساعد للشاب في هذه الحالة حتى يستطيع إكمال مسؤوليته: «لأن فشله سيؤدي به إلى مفترق خطر، وبالتالي فإن ذلك يؤدي إلى آثار سلبية، ومشكلات مترتبة على كل أفراد الأسرة، وستظل الأسرة تنظر إليه بعين الخوف، إذا كان غير قادر على تحمل المسؤولية وقيادة الأسرة، وهذا ما يجعلهم في قلق مستمر»