فقد الوسط الفني الخليجي والعربي أحد عمالقة التمثيل وهو الفنان غانم الصالح الذي وافته المنية صباح أمس في أحد المستشفيات الكبرى في لندن بعد معاناة مع المرض، الغانم أطل قبل ربع قرن علينا في مسرحيته الشهيرة «باي باي لندن» وهاهو يودع أحبابه البارحة الأولى بعد أن غيبه الموت في لندن ذاتها وكأن الموت يسجل ارتباطه الشرطي بإيحاءات مؤلمة كي لا تفارق محبيه، في حقبة الثمانينيات خرج غانم الصالح علينا بشخصيات نحتها باقتدار في أجهزتنا النفسية التي كانت في بداية التصالح الذاتي والمحاكاة مع التمثيل كفن ورسالة.. أسعدنا بصرامته وخفة ظله في «كامل الأوصاف» وأبكانا بدموعه البريئة في أدوار الأب أو الأخ أو صاحب القلب الرحيم.. وأتحفنا بمضمون راق للفن رغم كبر سنه وأدائه لأدوار مركبة ومختلفة ومتجانسة مع آخرين أقل منه أداء وهم بالأصح من تلامذته. خرج غانم الصالح هذه المرة فعلا ولن يعود رغم أننا شاهدنا ذات يوم مسلسل «خرج ولم يعد» ومسلسل «عاد ولكن»، وكنا حينها واثقون بأنه مجرد عمل تمثيلي، أما الآن فنؤكد أنه خرج ولم يعد، وأن نعزي كل متابع وناقد وزميل مهنة ومنتج لأن الصالح قامة لا تعوض ولأنه من الصعب أن ينزعوا من ذاكرتهم ملامحه وإنسانيته وطلته الخاصة ورقمه الصعب. أبو الريش وسلطان وذياب شخصيات اقتحمت جدار الصمت في حقبة سابقة، وامتطى الصالح صهوة جواد أصيل لينطلق باتجاه النجومية من جهة وكي يسجل إبداعه على طريقته الخاصة في لندن التي احتضنت جثمانه، كرم في التسعينيات من قناة البي بي سي، وفي لندن ودع أحبابه، رغم أنه قبل نحو شهر ونصف قد خرج في برنامج صباح الخير يا عرب على إم بي سي بابتسامته ورزانته وعفويته يمجد هذا ويسامح ذاك ويعد الجميع بأعمال أكثر تميزا ويستقبل الانتقاد بأدب ويخرج تنهيدة نحو أي موضوع يتعلق بالإساءه لرسالة الفن. ولكن الصالح في ذلك الصباح كان يخفي حرقة بداخله وألما يظهر على ملامح وجهه ودمعة لا تمسكها سوى جفونه التي تكابر بحبسها كي لا يحزن محبيه وكأنه يعلن بداية الرحيل على طريقته.. ولكنه كغيرة من المسكونين بالأمانة والرسالة وحب الآخرين كان يواجه التحديات ويحاور الموت كي لا يصدم محبيه وهو لا يعلم أن المحاورة مع الموت تجعل عذابه أكثر وصدمته أعظم وتجعل إعلان وفاته من ضرب المفاجآت، رحل غانم من الدنيا ولكنه أوجد في الوجدان ذكرى مميزة ورسالة مثلى سيظل محبوه يعيشون على صداها من أجل عشقهم له ومن باب مواجهة كل الأعمال الركيكة المعروضة حاليا بمخزون الصالح الذي خلده في الذاكرة الإنسانية قبل الفنية. من جهة أخرى أكد الفنان الخليجي حسين عبدالرضا أن الفن الخليجي والعربي فقد رمزا من رموزه «غانم عشرة عمر فقدت الأخ والصاحب والشخص الذي لا أمل من مجالسته والحديث معه، وأدعو الله أن يغفر له؛ حيث إنه نعم الصديق المخلص والإنسان الطيب الذي معدنه طيب»، في الوقت الذي أوضحت الفنانة حياة الفهد أنها خسرت الفن الحقيقي الذي شكل معها لغة من التفاهم والاندماج، ووصفته بالفنان الشامل إذ تقول «مهما تكلمت عن «أبو صلاح» لن أوفيه جزءا مما يستحقه، حيث وجدته الشقيق الذي لم تلده أمي، فهو شخصية محببة جدا عند كل القلوب ولم نجد منه إلا كل تعامل راق وطيب»، وتضيف «فنان شامل بمعنى الكلمة إذا أردته تراجيديا أو كوميديا أو غير ذلك ستجده هو من يجسد ويتقن أي شخصية ودور بطريقة مذهلة»، مشيرة إلى أنها تربطها علاقة أسرية قوية مع أسرته. فيما كشفت سعاد عبدالله أنها كانت على تواصل دائم مع «أبو صلاح» حتى ما قبل وفاته قائلة «هو بمثابة أخ ولم يفرقنا عنه سوى الموت، فعلاقتي بالأستاذ غانم تعود لأكثر من 40 عاما، وقدمت معه مسلسلات أتشرف بها، وكنت قد افتقدت هذا العام مشاركته»، وتضيف «حقيقة المجتمع الفني خسر فنانا من النادر أن يتكرر مثله، جمع صفات الوفاء لزملائه والتعامل الحسن» أما الفنان محمد جابر فقال إنه منذ بدايته الفنية وهو لا يفترق عنه «هو من أقرب الفنانين إلى قلبي، ومنذ أن بدأت الفن وأنا معه، فما تربطني به من علاقة أكبر من أن أصفها»، وهذا ما أشار إليه كذلك النجم إبراهيم الصلال الذي قال إن خسارة الفن الكويتي كبيرة جدا ولا تعوض في وفاة رجل أفضاله لا تعد ولا تحصى. أعماله التليفزيونية الراحل قدم طوال مسيرته الفنية أكثر من 80 عملا دراميا ما بين الكوميديا والتراجيديا، فيما شارك في 25 مسرحية.. وقد انطلق نجم الصالح في عام 1967 حين شارك في مسلسل محكمة الفريج مع زملائه العمالقة عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وخالد النفيسي ومحمد جابر ليقدم بعدها مسلسل «حاور زاور» عام 1972 ليتوقف عن المشاركة في الأعمال الدرامية ويتجه للمسرح، ولكنه في عام 1976 عاد للأعمال التليفزيونية وشارك في العام ذاته بثلاثة أعوام دفعة واحدة وهي حبابة، طيبة وبدر، طيور على الماء، لتتوالى بعد ذلك أعماله الخالدة في الأذهان والتي فاقت 80 عملا تليفزيونيا كويتيا وخليجيا وعربيا ومن أشهرها الأقدار، خرج ولم يعد، خالتي قماشة، وكانت آخر أعماله هي ليلة عيد، أيام الفرج، المنقسي والتي عرضت وكانت له مشاركة في فيلم تليفزيوني بعنوان الفخ وكانت تعرض عليه مشاركات في أفلام ولكنه كان يعتذر بحجة عدم وجود سينما حقيقية في الخليج. ولا يخفى على الكثير أن الصالح اشتهر طوال مسيرته الفنية ومشاركاته المسرحية بخفة الظل والحركة الخفيفة والأسلوب المقبول والأداء المرن الممتزج بالنفسية المرحة والمحبب لدى المشاهد، وحظيت المسرحيات التي شارك بها أصداء عالية بداية من مسرحية صقر قريش التي تعتبر انطلاقته الحقيقية في عالم المسرح، وذلك بمشاركة عمالقة المسرح عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وخالد النفيسي، وقدم فيما بعد مجموعة من المسرحيات الكوميدية والساخرة ومنها عشت وشفت، الكويت سنة 2000، إمبراطور يبحث عن وظيفة، بيت بو صالح، فرسان المناخ، باي باي لندن، بيت العزوبية، الحكومة أبخص، البيت المسكون، الخيران رايح جاي. تكريمه رغم الرصيد الهائل الذي قدمه من أعمال مختلفة ومساهماته الفنية على المستوى المحلي الكويتي والخليجي إلا أن الصالح يعتبر أقل الفنانين العمالقة الذين نالوا جوائز وشهادات ودروعا مقارنة بتاريخه الذهبي اللامع، ولم يحظ الفنان الراحل إلا بعدة تكريمات وجوائز وشهادات منها درع من المسرح العربي ودرع المبدعين وشهادات تقديرية من مهرجان الخليج ومهرجان القاهرة