لديك رأي موضوعي وتريد عرضه باحترام، عن بعض الفقهاء الذين لا تراهم مقدسين، وتعرف أخطاء بعضهم الفادحة، مثل قول أحدهم عن العامة إنهم بلا عقل ولا يجب أن يشاركوا في أي قرار، ومع ذلك تعلم أنك ستتهم بسب الفقهاء، ثم العمل على هدم الدين في المجتمع، وقد تتعرض بسبب رأيك هذا إلى حملة مسعورة من أشباه البشر، وربما يطالب الآخرون بمحاكمتك القانونية التعزيرية، وهذا ما يحدث. لديك رأي معارض للنقاب.. ربما تصيبك سهام متعطشة بما في أنفسها من هزيمة وذل وهوان، للتدمير واتهامك بأنك حداثي، علماني، ليبرالي لا تملك غيرة ولا شرفا على نسائك. تريد نقد الثوب السعودي بأنه لا يعجبك، وأنه ليس عمليا، وأن الألبسة الأخرى لن تؤثر على الهوية، ما دمنا متمسكين بلغتنا وديننا، ومع ذلك ستتهم بخيانة الوطن، وربما بالعمالة للغرب، ولن يتعاملوا مع رأيك بأنه مجرد رأي قلته بكل احترام لهذا الثوب؛ لأنهم يظنون نقدك دليلا على عدم الاحترام. ترد على «متخلف» يتهم الآخرين بالكفر والدعوة إلى هدم الإسلام؛ لأنهم يدعون إلى المجتمع المدني، فتتعرض إلى كل أنواع السخرية والسب والشتم، وكأنك ستفنى إذا سبوا، وما دروا أنهم مدمرون من داخلهم، عاشوا على الأوهام التي عجزوا عن مواجهة بطلانها أمام جبروت الواقع، فراحوا يلجؤون- وتحت وطأة غياب الوعي- إلى التطرف الانفعالي القائم على مفاهيم الحرب. ربما تكون قد ابتليت بدورك بقليل وليس الكثير من هذا التطرف، كمن يهرب من النار فتلحقه أذيالها، ولأنك لا تستطيع أن تقول رأيك- أحيانا- بسلام، إلا ومعك العصا تحمي نفسك بها من السفهاء، أو لأنك توقعت ردة الفعل المتطرف، كما يتوقع الفيزيائي سقوط الأحجار بقوة الجاذبية. أحيانا تشعر بصداع مزعج، تريد أن تقول أي رأي في أي شيء، ليتصدى لك الكثيرون بكل ما تحمله قلوبهم من أمراض اجتماعية، منفعلين غاضبين وسيوف المهلهل فوق هاماتهم وجلمود الصخر في صدورهم، هذا ما تعلموه أيضا في مدارسنا. في كل الأحوال لا تستطيع أن تقول رأيك المخالف دون حساب العواقب، وإن ذكرت رأيا، فعليك أن تضع ألف كلمة كان لا بد من وضعها، وعليك أن تمدح بل وتجزل في الثناء وأنت تنتقد؛ لأن تلك الفئة العاشقة للبغي والغلظة، لا تعرف أصلا مفهوم النقد، ومنهجهم هو «إذن فلنكفر المخالفين، كي نغلظ عليهم بما ابتلينا به في أنفسنا فدون اتهامهم بالنفاق والكفر لن نقتدي بالصحابة الكرام». أنت أحد التنويريين الشباب الجدد، ولكن الصوت الهمجي يستطيع تخريب كل شيء، إنما فقط مع من يملك القابلية على الجهل؛ لذلك أنصحك وقبلها أنصح نفسي، وفي كل الأحوال أن تتحدث وتمضي في طريقك، دعهم يسبون ويشتمون ويسفهون، فنحن نعالجهم من أمراضهم لأجلنا ولأجل مستقبلنا، وعلينا أن نتحمل وزر الإصلاح بما نملك من مساحات ومن تأثير، حتى لو كان هذا التأثير على ألف رجل وامرأة! هذا ما أفعله مع البعض. النزول إلى دركهم الأسفل مخز وممل، ومصيب بعدوى البدائية المفرطة، ولذلك توقفت عن المشاركة في المنتديات، العامرة بالجنون. هذه هي استراتيجيتي في تجاهل السفهاء، ذبحهم بالتهميش، وإلغاء وجودهم المزعج على هذا الكوكب، بعدوى الأفكار، فالأفكار قبل الأشخاص؛ لأن الأفكار لها أجنحة، فأصيبهم بعدواها الجميلة. وهذا الواقع المظلم الذي نعيش سيتغير بالأفكار، فنحن في عصر التنوير والإعصار المعرفي، ولا بد للمريض أن يصح، ولا بد للجاهل أن يتعلم، ولا بد لمن لم يتغير، أن يجبره الواقع على التغير، ولا بد للغائب عن الوعي ومن يحكمه الأموات، أن يستيقظ من نومة أهل الكهف أو يبقى نائما دون أثر، لا يحكم الأحياء! مدونة: ماجد الحمدان