عاشت أمل عبدالصبور منذ أن كانت رضيعة في «بيت الطفل» بمكة المكرمة بعد أن وجدت نفسها بلا أب أو أم، وأخذت ترسم طيلة 17 عاما أحلاما وخيوطا لمستقبلها، فهي كأي فتاة تحلم بعش الزوجية وبناء أسرة، وذلك ما بدأ يتحقق عندما طرق شاب في العشرينيات من عمره باب «بيت الطفل» ليخطبها وتصبح زوجة المستقبل. وإزاء هذا الحدث السعيد فقد عبقت أركان «بيت الطفل» التابع للجمعية الخيرية بمكة المكرمة برائحة الفرح، وغطت ساحاته سحابات من البهجة والسرور، وتعالت في جنباته أصوات التهاني الجزلى فرحا بزفاف أول فتاة من «البيت»، وحينها أطلقت زميلات «أمل» زغاريد الفرح، حيث تمت أمس خطوات الزواج بعقد قرانها على الشاب سليمان سعود لتحزم «أمل» أغراضها وحقائبها وتنتقل مع زوجها إلى عش الزوجية بعد أن أمضت 17 عاما في كنف «بيت الطفل» تاركة خلفها أجمل الذكريات بين مربيتها وزميلاتها. وقد عبرت العروس «أمل» عن فرحتها الغامرة بهذه المناسبة السعيدة «الكلمات لا تكاد تخرج، فأنا لست وحدي هنا، والجميع قدموا لي التهاني والتبريكات، والكل شاركني فرحة العمر»، وتضيف «فرحتي لا تكتب على ورق أو تعبر عنها الأقلام، فهي فرحة لا يسعها قلبي بأن أكرمني الله وشعرت بفرحة أمي التي ربتني وعوضتني عن حنان أمي وأبي الحقيقيين، والإدارة التي وقفت معي وقفة العمات والخالات والأخوات كن لي السند في هذه الحياة ومشاركتي فرحة العمر وفرحتهم لي وتمنياتي الصادقة لهم بالتوفيق فلهم مني كل الشكر العرفان، ولكل من وقف بجانبي وشاركني فرحتي دون تحديد، ولكن أخص بشكري أمي الغالية سلوى المولد أدامها الله لي وحفظها من كل مكروه». ومن جانب آخر تقول الأم البديلة التي ربتها سلوى المولد: «الأرض لن تسعني لأمشي عليها فرحا، فرحة أم ربت وسهرت واليوم تحصد أول ثمرة ما زرعته»، وتضيف المولد وعيناها تتلألأ بدموع الفرح «اليوم اكتملت أمومتي بجميع نواحيها، وهذا فضل من الله وفرصة حباني بها أن أربي يتيمة أعواما وأزوجها اليوم وأراها وهي تقف أمام عيني بفستان عقد قرانها». ويبدو الفرح أيضا على ملامح مديرة بيت الطفل ربا حامد المفلحي التي تقول: «لقد من الله علينا بخطبة ابنتنا أمل من الشاب سليمان، والذي أرسله الله ليجد نصفه الثاني في دارنا، حيث تمت الخطوبة بطلب من مدير دار التربية الاجتماعية للبنين محسن القحطاني من بيت الطفل خلال اتصال هاتفي جرى بينهما كنوع من التواصل والتعاون الذي دائما ما يكون بين الدارين في مختلف المجالات، وكان آخر ذلك انتقال عدد من الأبناء الذكور من بيت الطفل لدار التربية الاجتماعية بعد بلوغهم سن ال12 عاما، فما كان من الأستاذ محسن إلا أن طلب أن تجد له مديرة الدار وترشح إحدى الفتيات من البيت ليتم تزويجها من ابنهم سليمان، وبالفعل وقع الاختيار على الابنة أمل بعد السؤال عن المواصفات التي يتمناها الابن سليمان، بالإضافة إلى نظرة مديرة الدار ورأيها فيمن تختار، خصوصا أنها وجدت شيئا من الصعوبة في عملية الاختيار إذ إن جميع الفتيات ولله الحمد مؤهلات للزواج من خلال النظام المتبع في بيت الطفل». وتضيف المفلحي: « تتم تهيئة هؤلاء الفتيات على الاعتماد على النفس منذ الصغر، فيوكل لهن العديد من الأعمال والمهام المختلفة، التي يشرف عليهن فيها موظفات كفؤات في مختلف المجالات، فيجدن الطهي والتنظيف والترتيب خصوصا أنهن موزعات على أسر وفي كل أسرة مجموعة من الفتيات بمختلف الأعمار تشرف عليهن أم بديلة تقوم بمهام الأم الحقيقية، واختصاصية اجتماعية تقوم بمهام الإرشاد والتوجيه لجميع أفراد الأسرة بما فيها الأم، بالإضافة إلى مشاركة الفتيات في كل البرامج والأنشطة التي يتم تنظيمها في الدار وخارجه، بل ويتم الاعتماد عليهن اعتمادا كليا في أغلب الأنشطة الداخلية، هذا وغيره الكثير جعل الابنة أمل وبقية بناتنا مؤهلات لأن يكن زوجات ناجحات لا ينقصهن شيء إن شاء الله، وعلى هذا الأساس تمت النظرة الشرعية بينهما، وتآلفت القلوب، وها نحن نسعد بعقد قرانهما كأول فتاة يتم تزويجها من «بيت الطفل» لرعاية الأيتام، والعقبى لبقية الفتيات إن شاء الله». من جهة أخرى عبر العريس سليمان سعود سليمان من دار التربية الاجتماعية وطالب الكلية الصحية عن فرحته الكبيرة بإكمال نصف دينه، فالزواج ستر وغطاء، مشيرا الى أنه تقدم بطلب لوزارة الشؤون الاجتماعية التي بدورها بادرت بالتنسيق مع «بيت الطفل» لإكمال خطوات الزواج