غدا المشهد مغايرا، الروح لا يعلوها إلا صوت النداء، والرقاب لا ترتفع إلا لقطرات الماء، فيما الأنفس تهبط إلى الأرض مندمجة في بساط يتوكأ عليه الهاربون من زلات، والذارفون عبرات لا تملك الأعين حملها. «إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين»، هكذا تحولت الروح الشبابية في شوارع السعودية إلى ما يشبه السيمفونية الموحدة، تصدح بنغمات الحق، وتتهافت على نداءات تشفي الصدر. الكل يترقب الجديد في عالم الإستريو والسيديهات، لكن في هذا الشهر التباري كان مغايرا، سمعناهم وهم من الفئة الشبابية ذاتها التي لا يتعدى عمرها 25 عاما، يرددون أصوات المرتلين، وينعمون بروحانية الترتيل، وصدق الله العظيم: «ورتل القرآن ترتيلا».أعلنوها اليوم لأصحاب الأصوات الناعمة، لكنها ليست بمزمار الشياطين، إنما بالقرآن الكريم. أعلنوها في عدة محال، اليوم وغدا وبعد غد، وربما يطول الأمر «وداعا لمن تعبت آذاننا من سماعهم طيلة 11 شهرا، وحيوا من نتشرف بالاستماع لهم طيلة الشهر». لكن وفيما الخواطر بدأت تتلهف على إيقاعات شهر رمضان المبارك، وترتاد محال التسجيلات الإسلامية، وتتزود بأشرطة الأصوات الشجية، بعضها ترتيلا، وبعضها الثاني خطبا وتصويبا، وبعضها الثالث تواشيح وتهليلا، في هذا الجو كانت المحال الفنية هي الأخرى تتأوه من الأوجاع «شهر عاصف، هبطت المبيعات إلى النصف، بل إلى الثلث، أو ربما الربع، وبصراحة الأرقام أقل مما نتوقع، أو لعلها أقل مما نتمنى، لأننا اعتدنا هذا الموسم، حيث يفر الصائمون من أصواتنا، ويهربون إلى تلك الأصوات». لكن البائع نفسه يعترف «نحن أيضا بتنا نرتاد تلك المحال، فالشهر أكبر من التفريط، والرحمة أوسع من الذنب». مشهد مغاير هكذا المشهد في العشرة الأيام الأولى من رمضان من كل عام، تنشط محال التسجيلات الإسلامية في شهر رمضان الكريم، وتشهد إقبالا منقطع النظير من الشباب بمختلف أطيافه، فيرتفع سوق البيع إلى زيادة تقدر بنحو 85 %. الكل هناك يتبارى، يتلقفون الكتب الأشهى، والمحاضرات الأوقع، والأشرطة ذات المحتوى الأرق. فيما الهدايا الرمضانية كانت الأبرز، بل تفننت المحال في إعدادها للزبائن، كل علبة مغلفة تحتوي على شريط إسلامي، وكتيب أذكار، ومطويات توعوية عن رمضان، وحسب العاملين وبائعين في التسجيلات الإسلامية، فإن «مبيعات الأشرطة والأناشيد الإسلامية، والمحاضرات الدينية سجلت أعلى معدلاتها في شهر رمضان، بل إن مبيعات هذه الأشرطة بلغت نحو ثلاثة آلاف شريط للمحل الواحد خلال رمضان في العام الماضي». زيادة الربح وبنبرة سعادة، ارتفعت نبرة صوت البائع في أحد محال التسجيلات الإسلامية، محمد سعيد «شهر رمضان المبارك أفضل الأشهر للتسجيلات الإسلامية، حيث ترتفع فيه المبيعات بنسب عالية وكبيرة، وتتنوع رغبات الشباب في شراء الأشرطة ما بين أشرطة القرآن الكريم لبعض القراء المعروفين، وبعض أشرطة المحاضرات والأناشيد الإسلامية، وكذلك الهدايا الرمضانية التي تقدمها التسجيلات، وإن كانت أشرطة القرآن الكريم تأتي في المرتبة الأولى كأكثر الأصناف مبيعا، خاصة من قبل الشباب، ويجد بعض القراء رواجا كبيرا في أشرطتهم، حيث ازداد الطلب في الفترة الأخيرة على أشرطة القارئ الشيخ ماهر المعيقلي من جميع الزبائن ومن مختلف الأجناس والفئات، وهناك أيضا رواج لأشرطة بعض القراء مثل خالد الجليل إدريس أبكر، وعبدالولي الأركاني، كما أن هناك بعض القراء انخفضت نسبة الإقبال على شراء أشرطتهم في الفترة الأخيرة، مثل ياسر الدوسري، وناصر القطامي، ومحمد اللحيدان، لكن لهم أيضا زبائنهم المعروفون». الفتيات والهدايا ويشير البائع إلى أن الفتيات يملن أيضا لاقتناء الأشرطة الدينية، التي ينتقينها بأنفسهن «لكنهن يفضلن الهدايا المكتملة، التي هي عبارة عن مغلفات تحوي أشرطة وكتيبات وأذكارا ومطويات، أكثر من تركيزهن على شراء الأشرطة، ونترقب موسما جيدا في العشر الأواخر من رمضان». طلب متزايد واعترف صاحب محل تسجيلات إسلامية، مبارك العتيبي، أن الطلب المتزايد على الأشرطة، جعلهم يطلبون المزيد من شركات الإنتاج الإسلامية في شهر رمضان المبارك، نظرا إلى الإقبال الكبير الذي يجدونه في هذا الشهر «ألاحظ من خلال زيارة الزبائن اقتناء كميات من الأشرطة، والأذكار والمصاحف من أجل إهدائها، وما يميز سوق التسجيلات الإسلامية في رمضان شراء الزبائن لأكثر من ثلاثة أشرطة في آن واحد، بالإضافة إلى أن عددا منهم قد يشتري كمية بنحو 20 أو 30 شريطا من أجل إهدائها، إلا أن الكميات المبيعة تتراجع فور إعلان العيد». لماذا التراجع أوقفنا مساعد العنزي «24 عاما»، وسألناه عن السر في هذا الإقبال، وما إذا كان يتراجع بعد العيد، فرفض التعليق على الجزئية الأخيرة، واكتفى بالأولى «هل تعلم الهداية ممن؟ لا يعرفها إلا الله، ولا يستطيع أحد التنبؤ بمثل هذه الخواطر، ومن حق صاحب المحل التنبؤ بانخفاض نسبة الزبائن، لكنه لا يستطيع تحديد من هم الذين تراجع إقبالهم بعد شهر رمضان». الإذاعة تغنينا وأوضح أنه يرتاد محل التسجيلات في فترات مختلفة، لكنه يرتاده في رمضان تحديدا لشراء كميات من الهدايا من أجل التوزيع الخيري على من يعرفهم «في الأعوام الأخيرة أصبحت الإذعات في رمضان تقدم برامج دينية وأناشيد إسلامية، إضافة إلى أنها تنقل الصلوات من الحرمين الشريفين، والتي بدورها تغني عن شراء الأشرطة، لكنني ما زلت زبونا دائما بفضل من الله، في شراء الأشرطة الإسلامية، وإن كان تركيزي في رمضان على القرآن الكريم، خاصة للشيخ ماهر المعيقلي». ويحدد فيصل المطيري «23 عاما»، التسجيلات التي يفضل اقتناءها في شهر رمضان « أركز على شراء الأشرطة الإسلامية المنوعة، خاصة أشرطة القرآن الكريم للقراء المشايخ ناصر القطامي وخالد الجليل ومحمد المحيسني، بالإضافة إلى أشرطة المحاضرات الدينية، كما أنني أستمع كثيرا لمحاضرات الشيخ عبدالمحسن الأحمد». بيات رمضاني في الجانب الآخر، بدا الصوت خافتا، حتى الأنوار والمصابيح، باتت لا تضيء كما كانت قبل رمضان، ذلك هو المشهد في محال الأشرطة الفنية، تراجعت الصور، أو لعلنا لم نلحظها، فالأعين ابتعدت عنها من تلقاء نفسها، بعد أسبوع واحد من الصيام، فترى كيف تفعل بعد مرور نصف الشهر أو الوصول للعشر الأواخر؟ بائع في التسجيلات الفنية، ياسر علي، لم يتحسر على خسارة الزبائن، لأن لكل موسم زبائنه، حتى هو يعد نفسه من أنصار الأشرطة الإسلامية «في بداية رمضان، تقل المبيعات كثيرا، ولا يوجد زبائن سوى القلة، ونسبة المبيعات لا تتعدى 20 %، إضافة إلى أن أغلب التسجيلات الفنية تكون مغلقة خلال نهار رمضان، والفنانون لا يصدرون ألبوماتهم في رمضان خاصة في بداية الشهر». راح صيف الجلسات لكنه، وحسب وصف ياسر، يتوقع ارتفاع في المبيعات بعد مرور ثلاثة أسابيع «ما إن ينتهي رمضان، حتى ينتعش السوق، والدنيا عيد، وتكثر الأفراح، والكل يميل لشراء الكاسيت المفرح لحفلات الزفاف، أو لجلسات السمر، وأعتقد أن ألبومات «جلسات وناسة»، كانت الأكثر رواجا قبل دخول رمضان، وشكلت النسبة الأكبر من المبيعات، وما إن دخل الشهر، حتى راح صيف الجلسات». وبين البائع في محل تسجيلات فنية، محمد يوسف، أن ضعف الإقبال في شهر رمضان المبارك وراء إغلاق المحال في نهار رمضان «الإقبال شبه معدوم في نهار رمضان، ما يجعل أصحاب المحال مضطرين إلى إغلاق محالهم، قبل رمضان كان هناك العديد من الأشرطة الفنية التي عليها إقبال كبير، خاصة «جلسات وناسة»، التي كانت مسيطرة على السوق في فترة ما قبل رمضان، ولكن منذ دخول الشهر الكريم توقف بيع هذه الأشرطة وأصبح السوق الفني نائما