رمضان حوله من حوله من شهر صيام وعبادة وقرآن، إلى شهر أكل وفرجة تلفزيونية ونوم، حتى غدا الموسم الاستهلاكي الأقوى بلا منافس. حقيقة لم أفاجأ مطلقا بأرقام حملها تقرير صحفي اقتصادي نشرته «شمس» مؤخرا، بل ساورني بعض الشك في أن الزميل معد التقرير لطفه قليلا لتبدو وطأة الأرقام أقل رعبا على نفس القارئ. التقرير أشار إلى أن الطلب على المنتجات الغذائية يرتفع في رمضان 3 أضعاف ما كان عليه في الأيام العادية، كما أكد أن متوسط الشراء لدى الفرد استعدادا لرمضان يرتفع من 100 إلى 500 ريال. لاحظوا أن كل هذه الأرقام الضخمة التي وردت في التقرير، وكل هذه «الحوسة الموسمية» من أجل ساعات فطر غالبا لا تتجاوز الساعات العشر، يرتفع فيها معدل الأكل والسرف بشكل يجاوز معدل استهلاك الفرد المعتاد من الأكل قبل وبعد الشهر الكريم. ** تكريس هذه الثقافة الاستهلاكية وربطها بشهر رمضان أمر مؤسف، غيب في نفوسنا البعد الروحاني للشهر، وهذا امتداد للجو «التسويقي» الذي وضعنا فيه، ومن وضعنا لا يرانا أكثر من أجهزة صرف نقدي، حتى اصطبغت حياتنا بالماديات، وتوارت القيم الروحية رغما عنا! رمضان شهر عبادة وقرآن وخير وصلة وتواصل وتواد ورحمة وبساطة، وتحليق للأرواح المؤمنة في فضاء التسامي والإيمان والمحبة، بعيدا عن الماديات التي تثقل الأرواح برغبات الجسد، لتسقطها في وحلها.. هذا هو المعنى الجميل المغيب لشهر رمضان، ولكن أين نحن منه؟! ** في ظني أن حقبة سالفة «مجهولة» أضاعت حلقة مهمة في علاقتنا التاريخية المتراكمة بشهر رمضان، لذلك يبدو لنا رمضان منذ عقود ضيفا طارئا نحتاج لمن يأخذ بأيدينا ليعلمنا كيف نستقبله في كل مرة، وللأسف أن من أوكلنا له مهمة تعليمنا وإعداد «بروتوكول» استقبال الضيف العزيز لا نعدو في نظره عن كوننا «صرافات» متحركة! تلك «الحلقة المفقودة» ربما يعود إليها السبب في قطع الامتداد التاريخي لإرثنا الثقافي الرمضاني، الذي لا يذهب في أذهان كثير منا اليوم إلى أبعد من الشكل القديم لعبوة مشروب «الفيمتو».. وكل رمضان وأنتم ومن تحبون بأتم صحة وخير حال!