بعيدا عن رقابة أحد، وفي خفية من الزمن ومن المجتمع، تفتح الغرف أبوابها. يختلط الحابل بالنابل، وتصبح المدن المترامية الأطراف في عتمة تلك الغرف مجرد خريطة صغيرة أمام الحاسوب، حيث تتساقط المناطق، وتتعدد اللهجات، والكاسب من يربح الورق، بينما الخاسر أيضا من يربح الورق. الشيء الوحيد الذي يدعو للتفاؤل وسط ذاك التداخل، أن الورق لا يشمله النقود، لكنه ربما فتح الباب للنقود، وربما فتح الباب على مصراعيه لمسرحية النقود، إلا أنهم على الرغم من ذلك يعدونها غرفا تبيح الاختلاط البريء. بداية المشاركة في غرفة واحدة، أعدت ليلى ابنة ال 20 عاما، التي تسكن شرق المملكة، العدة، تعرفت من على بعد على محمد خريج جامعة أم القرى، الذي يسكن بعيدا عنها بما لا يقل عن 1400 كيلومتر، وقررا خوض التجربة، التي اسمياها «الاختلاط البريء»، لكن الانفراد الثنائي لا يستهويهما، فالأمر يحتاج إلى مجموعة أخرى، ما دعاهما لاستقطاب من لا يعرفوهما، فكانت آلاء ابنة المنطقة الوسطى، وكان عبدالرحمن القادم من أقصى الجنوب، عندها صاح الأربعة في صوت واحد، وإن لم يسمع أي منهما الآخر، في ظل تباعد المناطق: «أخيرا اكتملت المنظومة، ونستطيع المنافسة». هم يرون أن المنافسة على البلوت، لا تعد اختلاطا، ولا يعدون التلاقي الإلكتروني انتهاكا للحرمات، ويعتقدون أن اللعب التقني لا يعد بابا للشر. فتحوا باب الخير حسب فهمهم، فالأكبر فيهم لا يتعدى عمره ال 21 عاما، وهم حسب المصطلحات التربوية ما زالوا في عداد المراهقين، لكنهم سعيدون: «لا أحد يستطيع التعكير علينا، ونحن هنا في مأمن حتى من الجهات الرقابية، بينما نجلس وسط أسرنا، فلا مجال للشك فينا، بينما الصفحة التي تتراءى للأعين ليست إلا صفحة بلوت، تتساقط فيها الأوراق، وتتقاطر فيها الأرقام، ويستحيل أن يعرف المتابع أن في الأمر فريق عمل يسمى الاختلاط البريء. ضد المجتمع لكن اللافت للنظر أن البلوت، بشكلها العام، والتي لطالما كانت المتهم الأول في نظر الزوجات، لأنها تحرمهن من أزواجهن، تحولت إلى الصديق بالنسبة إلى النساء، اللاتي فرضن أنفسهن على الشبكة العنكبوتية معلنات أن عصر احتكار تلك الألعاب للشباب فقط قد ولى، وأصبح لدينا فتيات «بلوتيات». في تلك الغرف الإنترنتية تتجول الفتيات بحرية تامة، حسب وصفهن، يمضين الساعات الطوال دون اكتراث بأهمية الوقت، يشعرن بنشوة الفوز، والتفوق الذي لا يكون له طعم إلا على الرجال، ليعلن التحدي بلغة الواثق أمام من يجاريهن، هكذا هي حياة فتيات البلوت والبلياردو اللاتي اقتحمن وبقوة عوالم الألعاب الإلكترونية ذات الطابع الرجالي وأخذت مساحة كبيرة من المواقع الإلكترونية التي يزرنها يوميا. لكن الغريب أن من ساعد على ذلك، في وجهة نظر بعضهن: «عدم تقبل الكثير من أبناء المجتمع، لفكرة تجمع نسائي يمارس ألعاب البلياردو والبلوت علانية، جعلنا نفضل ممارستها بكل حرية في العالم الافتراضي، بعيدا عن أعين الآخرين، حتى وان كان البعض ينظر إلى هذه الخطوة أحيانا على أنها استرجال، أو اختلاط غير مشروع». مشاركة واسعة وداد عبدالعزيز 26 عاما تنتقل من غرفة إلى أخرى، باحثة عن أي مشارك في العالم الافتراضي، يشاركها اللعبة، لكنها في الغالب، حسب تأكيداتها، تفضله رجلا، حتى ولو كان افتراضيا «في ظل ارتفاع معطيات التلاعب بالأسماء وبالهويات في الشبكة العنكبوتية»: «أشعر بفارق كبير حينما أنتصر على رجل، وهو ليس الشعور ذاته حينما انتصر على فتاة، قد تكون رغبة مني بإيصال رسالة لهم بأننا اقتحمنا عوالمهم وتفوقنا عليهم وقد تكون تفريغ شحنات، فأنا تركت التدريس لعدم قدرتي على تحمل أعباء مطالب المدارس الخاصة ومازلت أنتظر دوري في التعيين ولم أجد أمامي سوى الانخراط في هذه اللعبة التي قتلت الفراغ عندي الذي كاد يعصف بي». ليست استرجالا عبير راشد «23 عاما» من المدمنات على هذه المواقع على حد تعبيرها وتشعر بنشوة النصر بمجرد وصولها إلى مراحل متقدمة من الاحترافية في اللعب وهزيمة أعداد كبيرة من الشباب والفتيات على حد سواء ومن جميع أنحاء العالم: «أصبح الكثير يتجنب اللعب معي خوفا من الهزيمة، وأرى في هذه اللعبة تنفيسا عن مشكلاتي الأسرية، وقتلا للفراغ الكبير الذي أعيشه، بعدما انهيت دراستي الجامعية، ولا اعتقد أن اللعب نوع من الاسترجال، كون هذه اللعبة تعتمد على القدرات الذهنية والتركيز وليس لها علاقة بمظاهر الاسترجال». الإدمان خطر ولا تعتقد فاتن الزين 24 عاما أن التسلية شيء يجب تقييده، لكن الخطورة في الإدمان: «أعرف صديقات مدمنات على لعب البلياردو والبلوت وحرب العصابات وحتى لعبة المزارع السعيد، ولم يعجبني الوضع كثيرا بالنسبة لحرب العصابات لأنها تحرض على العنف والسرقة وعشق العصابات، أما المزارع السعيد لعبة رائعة بمعنى الكلمة، ويكفي أنها تزرع في نفوسنا حب العمل والخير والإنتاج، عكس نظيراتها، وأعتقد أن سر الإقبال الطاغي للفتيات على هذه الألعاب الرجولية يعود للفراغ والملل المترتب عليه، بالإضافة إلى حب التجديد، وتجربته. وعن كونها لعبة رجولية الطابع تشير فاتن إلى أنه من خلال التمعن لما يجذب الفتيات نجد أن ألعاب القوة والإثارة والرياضة بأنواعها صارت تستقطب البنات في حين نجد ألعاب البنات من تلبيس وشعر وميك آب بدأت تضمحل ولا تلقى إلا أدنى إقبال منهن». الفراغ السبب يرى عبدالله القحطاني 22 عاما أن إقبال الفتيات على هذه الألعاب، أصبح بشكل كبير جدا للفئة العمرية من 15 28 عاما، بينما يشكل الفراغ السبب المباشر في إقبال الفتيات على تلك الألعاب، وعدم استخدام الوقت في شيء مفيد: «الأمر للأسف وصل لدى بعض الفتيات إلى حد الإدمان، حيث تمكث الفتاة والشاب بالأيام، دون أي تأثير أو إحساس بضياع الوقت». ويتفق فهد السامر «23 عاما» في كون الفراغ لعب دورا حاسما في أن تشهد هذه المواقع إقبالا من الفتيات: «لعبة كالبلياردو والبلوت لا تتطلبان جهدا جسديا، وهو ما يفسر الانضمام الهائل من قِبل الفتيات عليها، إلى جانب سهولة الوصول إلى مثل هذه الألعاب التي تستهلك وقتا كبيرا، وأرى أن هذا الإقبال طبيعي جدا بسبب كثرة الملل بين الفئة العمرية من 15 إلى 30 عاما». وسيلة تعارف واعترف فرج الكثيري 24 عاما – بأن هذه النوعية من الألعاب وسيلة من وسائل التعارف: «الإقبال عليها من قِبل الفتيات شيء طبيعي يعادل إقبال الشباب على بعض الألعاب، إلا أن المحصلة موضوع يشغل وقت الفراغ الكبير بالنسبة إلى الفتيات وحتى في أحيان كثيرة الشباب». ويرى عبدالعزيز القحطاني 24 عاما أن إقبال الفتيات على مثل هذه الألعاب أصبح بشكل كبير جدا، بسبب انتشار الأجهزة الإلكترونية والإنترنت، وسهولة الوصول إليه. صفات رجولية توضح إيمان الأخشم «مدربة معتمدة من المعهد العالمي الكندي والمجلس الخليجي ومستشارة أسرية» أن 90 % من الفتيات يبدأن الدخول إلى هذه المواقع بداعي الملل وقتل الفراغ وعدم وجود ما ينجزنه في أجندة حياتهن، إلا أنهن فيما بعد ومع استمرار اللعب مع الشباب يكتسبن صفات رجولية لا إرادية، فضلا عن المشكلات المترتبة من الدردشة. وأشارت إلى أن الفتاة يمكن أن تكتسب صفة الاسترجال من خلال اكتساب ألفاظ رجولية وبعض الصفات الأخرى من جراء الاحتكاك معهم عبر هذه المواقع وتنسى خلال المنافسة للحظات أنها انثى: «الفتاة لا تتوفر لديها أي وسيلة للمتعة، فتختزل جدولها اليومي على النت والتليفزيون والنوم، كما لا يوجد استغلال مفيد لأوقات الفراغ، علاوة على عدم وجود توعية من المجتمع بأن هذا الوقت كنز حقيقي مفقود ولا يستفاد منه فتمكث الفتاة يوميا ما يزيد على خمس ساعات على النت دون أي فائدة». ودعت إلى إعطاء الفتيات ورشا تدريبية وتخصيص أنشطة رياضية في البرامج الصيفية وفي المراكز المنتشرة في المناطق عبر تخصيص صالات رياضية تلعب فيها الفتاة ما يتناسب مع طبيعة جسمها وما يتواءم مع الشريعة الإسلامية حتى تكتسب مهارات تفيدها: «هناك عدم توجيه لطاقات الفتيات، وهناك طاقات كامنة لم تستغل من قِبل فتيات مبدعات، بحاجة إلى سبر أغوارها حتى لا تنصرف نحو الألعاب التي لا تغني ولا تسمن من جوع ولا تقدم لها أي مهارة تذكر»