عندما يعتريك الشك من حديث أحدهم عن نفسه، مقارنة بما هو عليه، وتظن فيه الظنون، فالواقع أنه يقول ما يتمنى أن يكون مستقبلا، لأن الدوافع التي خلف السلوكيات خفية، وذات جذور عميقة وقديمة تخللت عمر الإنسان، ويساهم ذلك الادعاء في تضليل صاحبه قبل المستمع، ليصبح كمن كذب وصدق نفسه، ليمنح ذاته نوعا من الارتياح كمسكن للألم، ووعدا قصير المدى بالتغيير، فهو يدرك المكان الذي يريده، إنما لا يملك خريطة تمكنه من معرفة الطريق. ويصف المؤلف والناقد الإنجليزي صمويل جونسون حالة قريبة منها فيقول: «معظم الناس يضيعون جزءا من حياتهم في محاولة إظهار محاسن ليست فيهم». وفي الجانب الآخر عندما نكتفي بالانطباع الأول حول إنسان ما، فإما أن نظلمه ونبخسه حقه في التقدير، أو نمنحه حجما أكبر من حجمه الفعلي، فهذه المعجزة المسماة بالإنسان يتأثر بما حوله ويؤثر أيضا، ويعيش تغيرا مستمرا، ومن الخطأ أن نقرر سريعا إن كان فاعلا أو مفعولا به، أو حرفا زائدا، أو حتى ضميرا مستترا، دون أن يأخذ وقته وفرصته ليثبت ذاته بالأفعال لا الأقوال. ومن السهل سرد خطبة عصماء عن المثل والقيم السامية، والتي لا تمت للخطيب بصلة، فاستعراض المفردات الرنانة، والشعارات الأخاذة، والوعود التي ليس لها فجر، لا تعجز تجار الأقنعة، والأهداف الشخصية المعللة بهدف جماعي. حتى ازدحمت الساحة العامة بالأسماء والجماعات والتيارات، كل حزب بما لديه يحاول أن يعتلي القمة، وكأنه يملك سحرا يعد بمستقبل زاخر، إلا أن نظرة سريعة مفادها ماذا قدموا للمجتمع والوطن؟ غير سمك في البحر! تنسف أحلامهم، وتؤكد بطلان رسالتهم، وتحشرهم في زاوية المرتزقة، والمتلاعبين بأوجاع نشأت من أخطاء فردية ليعمموها، كأن الدمار في كل مكان، وكأننا لا نملك ما يكفي لنصبر ونناضل من أجل الحلم الكبير. فكل مخلوق، وكل بيت، وكل مجتمع، لديه مزايا وعيوب، فهل ننحره لمجرد أن عضوا منه فاسد! أم نمنحه فرصة العلاج، وإن تعذر إصلاحه، بترنا الجزء الميت فقط، تمجيدا للحياة ولو كانت بعكاز. خارج النص: الوطنية شرف لا يقبل المراهنة.