ليعذرني القارئ العزيز ، فقد تبعثرت الحروف وتطايرت مترادفات الكلمات من الذاكرة ، ولم أعد قادراً على صياغة العبارات وربط الجمل ببعضها. فرحيل شقيقتي وحبيبتي وتاج رأسي وملهمتي في الحياة الجوهرة بنت سليمان الشلاش وأحد أسرار سعادتي في الدنيا صعب وقاسٍ لم أستطع وأنا الإنسان الضعيف احتماله ، كان وقع رحيلها شديداً ، وأنا أكتب هذا المقال لا تكف دموعي عن الانهمار ، لم أبك في حياتي مثلما أبكي على فقدها الآن وكأني أحس بأنني لا أستطيع النسيان ولا الصبر. وفي مساء يوم الأحد الماضي وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة في مستشفى الملك فهد التخصصي في بريدة وأنا وإخوتي وأخواتي وأقاربي نقف بجوارها ، أحسست في تلك اللحظة وكأن قناديل النور قد انطفأت فجأة وضاقت الدنيا رغم سعتها ورحابتها حتى غدت كثقب الإبرة. رحلت الإنسانة المتدينة والصابرة والمربية الفاضلة ، رحلت شمعة حياتنا التي أضاءت لنا الطريق بدعواتها ، غادرت الدنيا من كنت أقصد منزلها أول ما أصل من الرياض قبل أن أتجه إلى أي عمل ، بل لا أبالغ إذا قلت إن أكثر شيء يربطني ببريدة بعد رحيل والدي ووالدتي هي أختي الجوهرة ، إذا قطعنا وصلتْ ، وإذا غفلنا سألتْ ، وإذا غبنا قلقتْ ، كانت أحرص الناس على مشاركتنا في أفراحنا وأحزاننا حتى أنها في أيام مرضها تحرص على الحضور كلما أحست أن لديها القدرة ، لا تحضر لمناسبة وحتى وهي في أشد الحاجة إلا ومعها الهدايا تحاول أن تدخل السرور في قلوب الجميع. لم أشاهد في حياتي خادمة بكت على رحيل أحد من أهل المنزل الذي تخدم فيه مثلما بكت عليها خادمتها ، كانت تبكي عليها بحرقة فقد رافقتها فما وجدت منها إلا العطف والتسامح والبذل حتى أن الخادمة التي ستسافر إلى بلدها بعد شهرين حرصت الجوهرة -رحمها الله- أن تؤمن لها كل احتياجاتها ومستلزماتها وهداياها. تقول أخاف أموت قبل ما تسافر ولا أحد يعطيها هديتها. لذلك لم أقلق على أختي بعد رحيلها فقد أقبلت على رب كريم ، لكن لازالت دعواتي لربي في كل لحظة أن يلهمني الصبر والقدرة على التماسك ، وأن يمدني بطاقة مضاعفة لمواجهة ألم الفقد وألم تذكر المواقف الجميلة مع أم محمد أيام نشاطها وقوتها والأسى على تلك الأيام الخوالي ، وألم تذكر اللحظات الصعبة أيام مرضها ووجعها الذي كان يعاودها كلما تشافت وعادت البسمة إلى شفتيها المتعطشتين لدقائق فرح تريحانها من شدة المرض وهي صابرة محتسبة إلى ربها ترى الخيرة فيما يختاره الله لها. لم تسخ ولم تجزع ، وكانت متجلدة تحمد الله في كل لحظة على نعمه وأن يقبضها الله وهي ثابتة على دينه. وفي صبيحة يوم وفاتها بثت إحساسها بقرب رحيلها وقالت ربما يكون مغرب هذا اليوم آخر ساعاتي في هذه الدنيا. وكنا نحاول أن نثنيها عن قولها لكن إصرارها كان أقوى وتسليمها لقدر الله تسليم المتلهفين للقاء الله سبحانه وتعالى. رحم الله شقيقتي أم محمد فقد صلى عليها خلق كثير وشيعوها إلى مثواها الأخير ودعوا لها بقلوب مخلصة. اللهم أسكنها فسيح جناتك وصبرنا على فراقها.