الرياض ، نجد العز والوطن ، بنت البدر المدللة ، وغُنية الصوت الحسن ، والهادئة رغم ضجيجها ، يكسوها شيء لا يتناسب مع غرورها ومكانتها ، فيا ربها أخرج الظالم من أهلها. أن نفجع من جديد بحدث مأساوي يسجل عدداً آخر لضحايا الإهمال والتقصير في كل عام هذا أمر مخيف ، إن الوعي بضرورة توفر وسائل السلامة التامة وخضوعها للفحص الدائم في أي مكان وبأي عمل مهما كانت استقلاليته لهو أمر مهم جداً ، ومع أنه مهم وتترتب عليه حياة أفراد كثر إلا أن التقصير فيه مازال مستمراً ، ووزارة النقل هي الجهة المسؤولة باعتبارها الناقل الرسمي عن حادثة الخميس التي خلفت انفجار شاحنة الغاز ، وعدداً من الضحايا ، والمصابين ، وتخويف الآمنين. لقد أهملت احتياطات السلامة لهذه الشاحنة -كما هو حال بقية الشاحنات حتى كتابة هذا المقال- فأصبحت الفرصة مهيأةً جداً لتكرر حدوث هذا ، وربما على نطاق أوسع -لا سمح الله- إن استمر وضع نقل الشاحنات بهذه العشوائية والبساطة خصوصاً ناقلات الغاز والنفط فيها. كما لا تقل مسؤولية المرور الغائب عن مراقبة الأوقات المسموح لمثل هذه الناقلات في تهيئته لحدوث مثل هذا الانفجار الضخم الذي لولا رحمة الله أن وقع في وقت خالٍ من ذروة الطلبة والموظفين. أتمنى وأتمنى وأتمنى أن نرى دوراً محسوساً وعلى أرض الواقع من هيئة مكافحة الفساد بخصوص هذه الحادثة. وفي كل حادثة مفجعة تزيد أمنياتنا بأن يزداد الإعلام اقتراباً من هموم المواطنين. تويتر ، كان المحطة الإعلامية الأسرع التصاقاً مع الحدث ، لم يتجاهل الحقائق ، ولم يغيّب أبسط الأمور وتفاعل مع الشائعات وأبطلها وأرشد الناس إلى طرق السلامة والتصرف ، وساعد كثيرين على فهم ما حدث بطريقة علمية ولم يسأل السؤال المهم قط إن كان الجسر تأثر جراء الحادث أم لا؟ ولانزال نطالب إعلامنا بمزيد من التطور ، حتى تزداد الثقة بينه وبين المواطن ، إذ لو فقد المواطن هذه الثقة فسوف يبحث عنها في إعلام آخر ، تختلط فيه الأجندات والمصالح! كما يقال ، يُعرف الرجال في المصائب ، لكننا نحن نعرف شباب هذا البلد في مصائبنا ورخائنا ، نعرف أن لدينا شباباً شهماً مدركاً واعياً ، يأخذ بزمام الأمر من أسوئه حتى يتركه بمأمن سليم ، شباباً يتصرف كما لو أنه تلقى تدريباً أو توعيةً في إدارة الأزمات والكوارث التي لا أعتقد أن أحداً سيهتم بتقديمها لهم فعلياً. ورغم كل ما حاول التافهون من تشويه لصورتكم أيها الشباب ثقوا بأن لكم صوراً لا تتغير أبداً لأنكم كثيراً ما تتركون بنا ثقة عميقة في هذه المحن تقول إنكم سندٌ يُستند عليه حين نفقد السند المكلف ، شكراً لكل النبلاء الذين عملوا عمل الإسعاف، شكراً لكل الشباب الكريم الذي عمِل عَمل المرور ، شكراً لكل الشباب الصامد الذي صنع الإعلام وأتى بتوثيق صادق للحدث ، شكراً لكل الذين احترموا مشاعر المفجوعين وتوقفوا عن نشر الشائعات والصور التي قد تزيد فجعتهم ، شكراً بحجم شرفكم في المحن يا سواعد الغد. إذا أردتم أن تعرفوا قوة بلد ما اقتربوا منه في أزماته ، وانظروا كم من الحاقدين عليه الذين يستغلونها لزعزعة أمنه وبث سمومهم ونشر أكاذيب تخدم الهدف الدنيء الذي يطمحون إليه ، لكنهم يجهلون أن لدينا ولاءً عظيماً للأرض التي نعيش عليها ، وإن حدث فيها شيء من التقصير فنحن لاتزال لدينا الرغبة الوحيدة في أن نبقى تحت راية ديننا ومليكنا وأملنا القوي في أن يظل مجتمعنا مجتمعاً عادلاً يسوده السلام. لن ننفك أبداً عن أن نكتب عن همومنا واحتياجاتنا ، ليس لأننا نريد أن نكتب فقط ، لا ، بل نحن نكتب لنغير ، لا نريد أن تحدث هذه الحادثة مرة أخرى ، يجب اتخاذ القرارت الفعلية فوراً في محاسبة المقصرين في الأمر ، وعدم التركيز على الديات وتكاليف علاج المصابين في الحدث أكثر من التركيز على أن لا يقع الحدث تارة أخرى ، والبدء بدراسة وتنفيذ فتح خط خاص بالشاحنات وناقلات الغاز والنفط خصوصاً السريعة الاشتعال منها ، لأن طريق خريص لم تعد حكايات هذه الشاحنات بجديدة عليه ، يظل شرياناً رئيساً في العاصمة ، كل يوم يحتضن حشوداً من الموظفين وطلبة المدارس الذين يتعلمون اليوم ليحصدوا نجاح الوطن ف الغد ، فلا يليق بهم أن يكونوا يوماً حكايةً محزنة بسبب تقصير وإهمال في الوطن. وحتى تنتهي كل الحكايات المحزنة نأمل أن يؤخذ بعين الاعتبار كل ما يقوله أبسط مواطن في هذا البلد. أذكى المجتمعات وأحرصها على الشعوب تضع الحلول وتعمل بها من البداية ، لا تنتظر أبداً أن تحدث فاجعة أو كوارث تُذهب أرواحاً بشرية وتتلف ممتلكات خاصة ثم تقوم بالاستيقاظ وتشكيل اللجان ، وبما أن اللجان وردت هنا : من منكم يستطيع إحصاء اللجان التي تشكلت لدينا؟ أصدق عبارات العزاء لأسر المتوفين ، ونسأل الله أن يمنّ بشفائه على بقية المصابين ، مع خالص الأمنيات بعام لا يُفجع فيه الناس ولا يُخدعون. ونظل بانتظار شيء ما يشبه الحزم والصرامة الصادقة بعد كل فاجعة ، ويا كريم.