عندما التقيت به في منتصف هذا الأسبوع، لم يكن ذلك الصديق الذي أعرفه، فقد بدا شاحب الوجه مهموما كثير السرحان، وعندما حاولت إخراجه مما هو فيه وسألته: كيف كان اليوم الوطني معك وأين احتفيت به؟، أجابني بأنه لم يبرح البيت يومها، وبسؤاله عن السبب قال: تجنبا للتصرفات الطائشة والمتهورة التي اعتاد على القيام بها الكثير من الشباب في مثل هذا المناسبة، ولأن إجابته لم تقنعني كثيرا أعدت عليه السؤال فصارحني هذه المرة بأنه كان يتمنى يطلع للشوارع ويحتفي هو والأولاد بحب الوطن، ولكن صاحب العمارة أفسد عليه فرحته برسالة جوال يقول فيها: نبلغكم بضرورة إخلاء الشقة فورا!!. يكمل صديقي معاناته ويقول: ما تتخيل يا أبو ماجد حجم القهر والألم إللي شعرت به وقتها فأنا كما تعرف (من ذوي الدخل المحدود) وراتبي يا الله يغطي قيمة القرض البنكي ومصروفات العائلة والإيجار والفواتير وخلافه وحتى أنقل من شقة لشقة أحتاج لدراهم كثيرة، وأنت تعرفني عزيز نفس، ولهذا رديت على صاحب العمارة برسالة قلت فيها: لنا أكثر من عشر سنوات ولا مرة أحد أشتكى منا، والإيجار ندفعه قبل موعده، وزوجتي «ربنا يشفيها» مريضة، فيا ليت تأجل موعد الإخلاء، فرد عليه برسالة تقول: ما شفنا منكم إلا كل خير «هذي ما توكل عيش» ، وإحنا بنزوج الولد، وما لقينا له شقة إلا بثلاثين ألف وفوق، فإذا تدفعون الفرق أجلسوا!؟. هناك قرار وزاري يهتم بمعالجة مشكلات الإيجارات، وهو لايزال نافذا منذ 14/1/1394ه لكنه للأسف الشديد يحفظ مصالح المؤجرين وحدهم، حيث إنه ينص صراحة على الحالات التي تجيز للمؤجر إخلاء العقار ونذكر منها ما هو شائع وكثير الاستعمال لغرض الضغط على المستأجر «الغلبان» للإخلاء أو قبول الزيادة المرتفعة للإيجار وهي «حاجة المالك إلى سكنى العقار المؤجر بنفسه أو بمن تلزمه نفقته شرعا» وإذا احتاج العقار المؤجر إلى إصلاح أو ترميم ضروريين لا يمكن إجراؤهما إلا بالإخلاء منه، أما القرار رقم 221 وتاريخ 26/12/1400ه والذي أقر إبان أزمة السكن من أجل تنظيم الإيجارات ومراعاة ظروف المواطنين فقد خلص في نهايته إلى إطلاق الحرية للمؤجرين لتحديد قيمة الإيجارات «بعد انتهاء الأزمة» وابتداء بغرة عام 1403ه!!. مع كل أزمة جديدة للسكن، بات المستأجرون يسمعون عن اللجان المشكلة لبحث مشكلاتهم، ولكنهم لا يرون بعد ذلك أي نتيجة، أي أنها بمثابة الحبوب المسكنة التي يمكنها تخفيف الآلام قليلا ولكنها تؤدي مع الوقت لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، كم أتمنى أن يتلقى أصحاب العمارة الجشعين ردا على رسائلهم التي يزعجون بها المستأجرين الطيبين، ردا يتمثل في صدور قرار وزاري يحدد سقفا لقيمة الإيجارات وفقا للعمر الزمني للعمارة مع تحديد نسبة معينة ومعقولة للزيادة التي يمكن أن تطرأ على قيمة الإيجار «كل ثلاث سنوات»..