كل جهد بشري قابل للنقاش حوله ، والاختلاف عليه ، والقرب منه ، والبعد عنه ، والميل إليه ، والوثوق به ، والشك فيه ، إلا أن هذه النظرية الثقافية لا تحتمل التطبيق في ظل إرهاب فقهي يُعمم الأحكام في ظلام ، ويؤسس للنبذ والإقصاء وعدم احترام المخالف ، وأتصور أن بعض كُتب التراث الفقهي تقف بتعصب أقوال واضعيها في وجه كل محاولات التمدن والتحضر ، كونها ترفض مسبقاً ناقديها ، وتنتقص مكانة ووعي الخارج عليها ، برغم أنها عنصرية في رؤيتها للحياة والأحياء ، كيف لا وحس التمييز ضد الأنثى وغير المسلم جليٌ للمدققين ، وواضح للباحثين المنصفين ، والفقه التراثي المدون يعج بالحس الذكوري ، والأنفة غير الموضوعية ، ويرفض فكرة استقلالية الفرد كون الإسلام لا يتحقق إلا في ظل الجماعة ، ناهيك عن حالة الجمود أمام قضايا حقوق الإنسان ، وتجاهل التسامح مع أتباع الأديان والطوائف والملل والنحل ، والتصدي لمفهوم التعددية ، وغلق أبواب الاجتهاد أمام نصوص ضعيفة أو موضوعة ، وتصنيف الداعين إلى استنباط القراءات المتجددة في خانة العلمنة والمروق من الدين ، والتأصيل لمجتمع إسلامي مدني وفق فهوم أولئك الفقهاء الجامدين مدعاة لتجذير التخلف ، وتشجيع البطالة العقلية ، وتحط من قيمة الإنساني باسم الديني الاجتهادي والتضاد مع قول الحق تبارك وتعالى (ولقد كرّمنا بني آدم) ولعل أبرز سؤال يمكن طرحه اليوم ، يتمثل في سر التمسك بكل تلك المرويات وإغفال غربلة كتب الفقه المذهبية وتنقيحها ، بعيداً عن التحقيق الصوري لبعض الباحثين الذين لا يتجاوزون شرح المشروح وتفسير المفسر دون خوض في صحة مضامينها وأسانيدها وواقعيتها ، واقتصار دورهم على اصطياد كلمة مُصحّفة ، أو همزة طارئة ، أو عين مطموسة ، وظنهم وبعض الظن إثم أن نقد التراث مدعاة لزعزعة ثوابت الأُمّة ، والشك في ذمة رموزها ، ومع التسليم الجدلي بما يراه البعض من إمكانية أسلمة الحياة إلا أنهم لا يدركون أن البديل المؤسس لفقه معاصر ممكن ويسير ، شرط أن لا *** الماضي قداسة ترفعه فوق مرتبة البشري ، فالثقة بكل موروث مدخل للرجعية التي تحيل الأحياء إلى أموات والأموات إلى أحياء أوصياء ، علماً بأن إعمال العقل لازم من لوازم اعتداد المسلم بدينه وفهمه له وفتح آفاق المعاصرة ومراعاة (التاريخانية) للنصوص بعيداً عن التجهيل المعنوي ، وإماتة الأدلة بالفهم الواحد وادعاء الإجماع عليه ، ولا نزال نلمس من رموز يثق بها الخلق توطيد التعبئة النفسية والتجييش ضد حاملي الرؤى التنويرية ، لمحاربة التحديث والمدنية ، وتحت مظلة هذه الدعاوى سيظن المخالف لنا أن ديننا سبب في سلب الحقوق وحرمان الناس حرياتهم واستلاب مشاعرهم وألبابهم ، وبحق نحن نطمح إلى نتموطن قبل أن نؤسلم ، وحين ذكرتُ لأحدهم الحديث الجليل (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) ردّ قائلاً بأن أحد الفقهاء يرى أن بعض الطوائف والمذاهب أكفر من اليهود والنصارى!