أنا لا أتكلم عن أشخاص ولا عن حالات بعينها ، ولكني أتحدث عن الفكرة حيث تكون ، يستوي في ذلك ما كان وعظا متصلا بالدين وما كان وعظا متصلا بالحقوق المترتبة على الناس أو ما كان متصلا بتعاملات الناس فيما بينهم أو حتى بالأخلاقيات ، لكني سأركز –بوضوح– على الوعظ الديني الذي يريد التأسيس لفكرة المثال أو القدوة في طبيعة الأشخاص وفي حياة الناس. هناك التباس في فهم معنى الوعظ ، هذا الالتباس أفضى إلى تحويل الوعظ أحيانا إلى تنكيل نفسي بالناس الموعوظين أو ما يشبه التنكيل النفسي بتعبير أدق ، لكي لا أكون مبالغا أو مجحفا وأنا لا أريد أن أكون أيّاً من هذين. للأسف نحن كثيرا ما نخلط بين الوعظ والتخويف ونجعل أحدهم مرادفا للآخر ، على أن هناك تفاوتا كبيرا بين مفهوم الوعظ ومفهوم التخويف. لا يتوجّه الوعظ إلى التقريع ولا التخويف كما لا يتوجّه التخويف إلى معنى الخطاب المحايد اللين الذي يعالج طبيعة إنسانية قابلة للملاينة والرجوع. حتى في القرآن العظيم سيكون في وسعنا أن نتبين أن هناك فرقا بين خطاب الوعظ وخطاب التخويف ، هذا الفرق كبير ، إنه مساحة معنى كبرى لكن الذي يحصل أننا نردمها في رفة جفن وهو أمر عجيب غريب. الوعظ فيه معنى التقريب والبيان والتحبيب والتألف –ليس التآلف– وفيه معنى الحث واستدعاء الطبيعة القريبة المستجيبة أو القابلة للاستجابة ، هذا في الغالب ، والوعظ يعني التذكير والترغيب ، الوعظ لا يعني الزجر والشدة بأي معنى. إن الوعظ يتوجّه إلى الغافل والذاهل ، إنه يتوجّه إلى نفس غائبة بأثر من نقص أو حاجة أو شهوة أو اعتياد أو تأولات ، وعلى النقيض من ذلك يكون التخويف. التخويف في الواقع وعظ بصفة وطريقة مخصوصة ، ولذلك سُمّي تخويفا ، وهو استثناء ومشروط بشروط واقعية شديدة ، ومن المأمول أن نعلم أين يتوجّه خطاب التخويف. إننا حين نجعل أحدهما في مكان الآخر قد نحدث أثرا غير مرغوب ، وهي قاعدة نفسية مؤكدة ، قد نجد شواهدها في تجاربنا الشخصية ، حين نجعل التخويف في غير مكانه قد يفضي إلى اليأس وحين نجعل الوعظ في غير مكانه قد يفضي إلى غير محصلة. وبالتالي فإن النتيجة ستكون صفرا في الحالين ، وهو ما لا يتوجّه إليه الوعظ ولا التخويف. الحقيقة أن التخويف يتوجّه إلى الإخضاع النفسي حالما تكون النفس عاتية جامحة متكبرة منكرة جاحدة ، وهو كثيرا ما يكون في الصرف عن الباطل المحض الذي يكون ضدا للحق المحض في مسائل الاعتقاد على وجه التحديد وتبعاتها، فيما يكون الوعظ متوجها إلى التنبيه النفسي والإيقاظ والتحبب. فكم هو الفرق الذي جعلناه صفرا؟ ينبغي أن نكف سياط التخويف المبالغ فيه ، إنما الإخضاع للعتاة، ونحن نتحدث إلى مسلمين موحدين.