محطاتٌ كثيرةٌ تستوقفني في سيرة ومسيرة عبدالعزيز بن رقوش. كلُّ واحدة منها تحكي مآثر ، وخصالاً شديدة الاختلاف عن الأخرى. ففى الوقت الذي تلمّستُ فيه بقلمي تاريخ الرجل مع الكرم ، والنُبل ، والسخاء ، وبدأتُ الكتابةَ مستعيدًا مواقفه المحفورة في ذاكرة مَن عرفوه من أهالي الباحة ، وغيرهم ، أجبرتني رحلته الوضّاءة مع الحكمة ، ووقفاته الإنسانية الجميلة على فتح صفحة جديدة. وهكذا من صفحةٍ لصفحةٍ ، ومن موقفٍ لآخر ؛ حتى تأكَّد لي أن الحديثَ عن رجلٍ بقيمة بن رقوش لا يُختزل في مقالٍ واحدٍ ، بل يحتاجُ كتابًا بصفحاتٍ كثيرةٍ. ولعلَّ الراصدَ لتاريخ هذا الرجلِ الناجحِ يعرفُ أنَّ المعاني الرائعة ، والخصالَ المتفرّدة التي تحلَّى بها في رحلته العملية ، كان مردّها النشأة الكريمة ، والتربية الصالحة ، والبيئة صانعة الفرسان. فلقد تربَّى عبدالعزيز في بيت يظل مع الأيام عنوانًا أصيلاً للحكمة ، والفراسة ، والذكاء. بيت كالشجرة الطيّبة ، لا تمنحُ إلاَّ الظلَّ الوارفَ ، والثمراتِ عذبةَ المذاقِ. البيتُ الكريمُ أهدى الباحةَ وإنسانها رجلاً بنفس العنوان. عمل في حقل التعليم ، فربّى أجيالاً مازالت تحفظ له جميل الصنيع ، وقدّم من المواقف ما جعلته المثال الأجمل ، الذي يحتذيه كلُّ العاملين في الحقل التربوي. ولأنه رجلٌ بمعدنِ فارسٍ اختارته إمارة الباحة ليكونَ ساعدًا من سواعدها القوية ، التى تبني ، وترفع ، وتُعلي من فضيلة الإنجاز والتنمية. نجاحه في كلِّ المواقع التي عمل بها ، بدءًا من التعليم ، ومرورًا ببعض أقسام الإمارة أهّلته ليكونَ محافظًا لقلوة ، ومن ثمَّ المندق ، في تدرّجٍ طبيعيٍّ مشفوعٍ بالقدرةِ ، والكفاءةِ ، والعطاءِ ، والإخلاصِ. ومع الإبداعِ الإداريِّ ، والإنجازِ الذي تحكيه الباحةُ بلسانِ صدقٍ ؛ يبقى بن رقوش الإنسان حكايةً أخرى ، تطربُ لها الآذانُ. فالرجلُ لم يتركْ محفلاً للعملِ الإنسانيِّ إلاّ وطرق بوابته مختارًا. تطوّع في عددٍ من اللجان والجمعيات الخيرية ، فى لجنة إصلاح ذات البين ؛ ليكونَ مع رفقائه المخلصين سببًا من أسباب الخير والصلاح. كان يفتشُ عن ذوي الحاجة ، وكأنه يبحثُ عن كنزٍ مفقودٍ ، ويلاقي المعوزين ، والبسطاء بوجهٍ ترتسمُ على ملامحِهِ كلّ تقاسيم النُبل والمروءة. بل ويُجاهدُ بحبٍّ من أجلِ صناعةِ بسمةٍ رضا على وجه فقير بائس ، أو محتاج تقطّعت به السبل ليشفع له ، أو يمد له يدَ العونِ والمساعدةِ. تاريخُ بن رقوش المحفور على جدران كلِّ محفلٍ عمل به ، بل في وجدان كل مَن تشرّف بالاقتراب منه ، أو العمل معه سيظلُّ (كتابًا مفتوحًا) لمَن أراد أن يتعلَّم ، ويقرأ (سيرة الرجال). الاثنين المقبل تُكرِّم الباحة عبدالعزيز لتقاعده ؛ ويُغادر العمل الحكومي ليعيشَ فينا وداخلنا ، وليُمثِّل من هذه اللحظة بصمة إنجاز نستلهم منه روح العمل الشريف ، والمواطنة المخلصة .. فهل بمقدورنا صناعة نجاحٍ كما صنعه هذا الرجل؟! أحسب أن الإجابة تحتاج منا الكثير.