... أحياناً تستثيرك البدايات .. قد لا تستعصي ولكنها تخلق لديك إشكالية .. فمن أين تبدأ؟ .. (هنا) حكاية للبداية و ( هناك ) حكاية !! وتظل ترهنك البداية الحق حينما يكون الحديث عن إنسان غيبّه الموت ..أن تدعو له بالرحمة و الغفران ..وأن يتقبله الله عنده مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً .. (1) بالأمس لم تفقد الباحة علي صالح السلوك بل فقده الوطن .. لأنه رمز من رموز هذا الوطن !!. علي السلوك الإنسان ، الباحث ، الوجيه الاجتماعي ، الإداري .. إنها عناوين كبيرة لاسم قدم الكثير و الكثير لأهله و لوطنه .. (2) سأبدأ (بالإنسان) .. لأنها صفة تلازمية تجتمع فيها كل المراحل العمرية التي يمكن أن يمر بها كل منا !! السلّوك كان مسكوناً بالإنسانية .. يتأثر من كل حال مؤلم و يؤثر فيه كل موقف محزن .. و سأقف عند صورتين لا أكثر : أولهما : صبر الرجل .. فعلى مدى أربعين عاماً و هو يعيش أزمة الربو التي أودت أخيراً بحياته .. ومع ذلك لم يشتكِ ولم يعرف عنه أحد ولم يغب عن عمله يوماً و لم يتوانَ عن أي خدمة رغم كثرتها في أي يوم !! .. لن أزيد و أترك لكم مسافة الخيال ما بين معاناة الصمت و الحياة !! و ثانيهما : إحساس الرجل (بالآخرين) .. و بالذات ذلك (الآخر) الذي يحتاج إلى العون و المساعدة .. لقد كان يعيش إحساساً مفرطاً ومفعماً في هذا الجانب و هو الذي حلّق به إلى التفكير نحو خلق جهد جمعي منظم يتجاوز جهده الفردي ليكون مصدر عطاء لكل محتاج .. فكانت فكرة تأسيس جمعية خيرية .. في زمن لم يكن يعرف الناس مثل هذه الأفكار ولا عن تلك الجمعيات !! .. إنه الحس الإنساني الايجابي الذي يجعلك في منتصف دائرة يعيشها الآخرون معك ومن حولك !! (3) أما عن السلّوك الباحث .. فحدّث و لا حرج .. ضرب فيه بسهم و لا أروع .. إنه يكاد يكون (نموذجاً متفرداً) .. و أنا أعي هذه المفردة تماماً .. السلوك (يا سادة) كان يذكرنا بطرق جمع المعلومة في العصور الغابرة !! .. ففي عصر الشح و التقاطعات .. كان السلّوك يجمع المعلومة على ظهر حمار .. يتنقل من جبل إلى جبل ، و من وادٍ إلى وادٍ ، و من قرية إلى قرية كان ذلك قبل أكثر من خمسين عاماً .. تخيلوا !! قبل خمسين عاماً .. و في أدغال جبال السروات ووهاد تهامة .. يجمع المعلومات على ظهر حمار ... وإذا ما تعب حماره أقتاد بخطامه وسار على قدميه بين الصخور والشجر والتراب .. أريدكم أن تستوعبوا الصورة الذهنية معي .. لتدركوا أدوات و آليات السلّوك في البحث و الدراسة !! .. لا وأزيدكم من الشعر بيتاً لكي تستوعبوا أكثر ملامح الصورة .. فقبل أكثر من خمسين عاماً .. كانت الباحة منطقة معزولة مقطوعة .. الطرق وعرة .. فكر وحياة الناس بدائية .. جهل .. أسرة لا تعرف إلا رعي الغنم .. و مع ذلك يخرج منها فتى على ظهر حمار ليشق كل الضبابيات و يخرج لنا برصد تراثي رائع في أربعة مجلدات ضخمة غير مؤلفات أخرى عن جغرافية المنطقة و تاريخها ووثائقها !! .. .. من أجل ذلك نعت السلّوك (بالأنموذج المتفرد) وبذلك تحول السلّوك إلى رمز وطني نال تقدير الدولة من أعلى مستوياتها .. يكفيه أن ولي العهد عزّى فيه و أمير الباحة يصل حد داره ليبلغ تعازيه و تعازي القيادة لأبنائه !! (4) بقي أن أذكر بتكريم «السلّوك» كرمز من رموز الوطن .. و رغم أننا أصبحنا نستذكر رموزنا أمواتاً و ننساهم أحياء .. لكن لا بأس .. .. أتمنى من أمير الباحة أن يطلق اسم السلّوك على أحد شوارع منطقة الباحة .. وأتمنى من وزارة الثقافة و الإعلام تخصيص جائزة سنوية باسمه تحمل (رمزية) البحث التراثي و الرصد الموروثي و دراسات الجغرافية البشرية .. كما أتمنى إعادة طبع كتبه.. إنه يستحق هذا و أكثر .. رحمك الله يا أبا زهران.