تقول لي متخصصة في تدريب القادة أنه مُلاحظ (من خلال الدورات التدريبية) في شبابنا –ذكورا وإناثا- ضعف الشخصية وقلة الثقة بالنفس. ولم أعجب من أن مجتمعنا ينتج شبابا مهزوزي الشخصية .. فالأمر بنظري يعود لطريقة هذا المجتمع في التعامل مع الأطفال والمراهقين. حيث انه يعشق الطفل (اللي لا يهش ولا ينش) والمؤدب الذي لا يناقش , ولا يبدي رأيه , ولو حاول فإنه يُوبخ وتوجه له عبارات تربوية عجيبة مثل (لما يتكلم اللي أكبر منك تسكت) يَهز شخصيته في النشأ و(يقص جنحانه) إذا كبر ولم تعد تلك الشخصية الضعيفة (تجوز له) وبخه قائلا : (شوف ولد عمك كيف رجال) وهو الذي (ابن العم) كان يوصف في صغره بالمشاغب , غير المؤدب. تناقض مضحك ..! ليست دعوة لترك تأديب الأبناء , واستبدال الأدب , وحسن الخلق , بالوقاحة وقلة الذوق. لكن لا تخلط بين تأديب ابنك وإضعاف شخصيته.. دع له مجالاً للتعبير عن ارآءه وافكاره .. وإن أخطأ صوِّبهُ ووجهه .. فهذا هو دور المُربي ، ولا تمنعه نهائياً من التعبير بحجة أنك لا تريد منه أن يقول ما هو خاطئ. فهذا –بنظري- هو تقصيرٌ منك بدورك كمُربي , واختيارك الحل الأسهل , من منطلق (الباب اللي تجيك منه الريح سده واستريح) للأسف.. الشاب -غالباً- ما يبدأ التعرف على نفسه وشخصيته بعد دخوله العقد الثاني من عمره , بعد الخروج من مرحلة تلقين الآباء .. (هذا إن استطاع الخروج منها) هذه المشكلة التربوية متولدة من مشكلة أخرى اجتماعية , هي سلوك الفرد الذي يأبى بأن يكون هناك رأي غير رأيه .. وطبعاً الأبناء هم أسهل من يمكن إخضاعهم لذلك الرأي. عموماً .. قضية التمسكِ بالرأي , وعدم الاعتراف بالرأي الآخر , هي (حكاية ثانية) لا يسعني الحديث عنها الآن ، للسبب ذاته -عزيزي المُربي- يتجه الابن للحياة الرقمية بشكل كبير وباندفاع شديد .. حيث أنه لا كبير وصغير في المجتمع الرقمي ولا قيود على آراء الصغار. أيضا .. اندفاع الشباب للمجتمع الرقمي ليس موضوعنا .. لكني ذكرته لأنه قد يكون نتيجة لما أتحدث عنه. أرى العديد من الكتب والدورات بعنوان (كيف تصبح قائدا ناجحا) ولم أر من قبل أي توجه يحمل عنوان (كيف تجعل ابنك قائدا) أو (كيف تصقل مهارات ابنك القيادية). أين هو اهتمام المجتمع بصقل تلك القدرات لأشخاص سيستلمون الدفة .. ولو بعد حين. استثماركم الحقيقي أخي وأختي هو استثماركم في ابنائكم بتربيتهم وصقل شخصياتهم جيدا .. أخيرا .. أعي أنه ولله الحمد الكثير من الأسر في مجتمعنا تدرك أهمية إعطاء الأبناء حرية للتعبير وتعي أثرها على شخصيات ابنائهم.. لكن النقيض موجود بكثرة ويستحق الالتفاتة.