بعيداً عن تصريحات (التكويش) ، وقصة (تاريخ الإخوان) ، نحن في عصر كلمة الشعوب ، واختيار الشعوب ، وقرار الشعوب ، نحن في عصر الربيع العربي ، والديمقراطية ، والصوت الحر ، الذي أوصل مرشح الإخوان (د. محمد مرسي) إلى الجولة الثانية ، بالانتخابات الشعبية في بلد هي الأكبر في عدد سكان الوطن العربي ، والأخطر في حدودها وعلاقاتها وآثارها. تقدم مشروع (نهضة مصر) ، الذي تبناه ليس (د. محمد مرسي) كشخص ، إنما الذي تبناه من اختاره من الشعب المصري. إن كانت نسبة (25%) الذين صوتوا للدكتور محمد مرسي كلهم من الإخوان أو المتعاطفين مع الإخوان ، فإن هذا يعني أن ربع البلد (إخوان) قبل الثورة ، فكيف بما بعدها؟! ولكن الحق أن هذه النسبة التي اختارت (د. محمد مرسي) وهي تعلم انتماءه ، والصف الذي أعدَّ معه مشروع النهضة ، هم مواطنون مصريون أولاً ، لم تدغدغ مشاعرهم الكم الهائل من البرامج التلفزيونية ، والمقالات الصحفية ، والمناظرات الرئاسية ، والملصقات الإعلانية ، بل مشروع النهضة الذي لم يثر حوله لا الضوضاء ، ولا هالات الضياء! الشعب المصري اليوم اختار بكامل حريته ، وعبر صناديق الاقتراع أن يكون في المنافسة مشروع النهضة الذي في أعلى هيكلته رئيس حزب الحرية والعدالة سابقاً والمنافس الأقوى لاحقاً! ويبقى السؤال : أين الذين خوَّنوا تجربة الإسلاميين في البرلمان والشورى والدستور؟ أين الذين راهنوا على جناح الصقور والطيور في صف الإخوان لتفريق الكلمة ، ووسمهم بضعف فهمهم السياسي؟! أين الذين كانوا يرقصون مع الطبول الجوفاء ، ظانين أن شعب مصر الذي فُرض عليه اللهو ، سيرضخ له ، ويتخدَّر به؟! إن شعب مصر اليوم يتحول نحو الريادة ، ويتحاكم للعقل ، ويغيِّر نظرته للعالم كله ، ويبحث عن دوره وموقعه اللائق به. إن شعب مصر اليوم رسم صورة مثالية للديمقراطية ، والشورى ، ودرَّس العَالم دروس السياسة ، والعدالة ، والحرية ، والقرار النزيه ، والقناعة المستبصرة. إن حدث (د. محمد مرسي) ليس حدث الإخوان مقابل الفلول ، أو تيار حركي مقابل تجمع سلفي ، بل هو حدث لقرار شعب قال كلمته ، وقرر عما في نفسه ، وهذا الدرس الذي يجب أن تتوالى حوله الدروس في الأسابيع القادمة. دروس تشمل فقه السياسة الشرعية الذي غاب تمثيله في منظومة الشريعة الإسلامية ، ودروس تشمل الدراسات النفسية لأمزجة الشعوب وحجم المؤثرات ، ودروس تشمل عقلية التحليلات العربية وبالأخص الشبابية التي غلبت عليها لغة العاطفة ، والتصريحات العفوية ، في زمن التكتيك والفذلكة! وثمة دروس تشمل السنن الربانية والأقدار الإلهية. إن الشعب المصري الحر سيقول كلمته الأخيرة ، ويتابع الدرس الأكبر بإذن الله ، فإن الله لن يخذل الشعب المصري المناضل ، وسيفضح كل المتآمرين. والله نسأل العزة والسؤدد لمصر ، الذين أوصى بهم الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله : استوصوا بمصر خيراً.