أكثر شيء يمكن أن يؤرق منام المظلوم الذي تقدم بشكواه إلى المحكمة من أجل استعادة حقوقه المسلوبة هو كيف ومتى يستجيب خصمه لطلبات الحضور الموجهة إليه ، لقد تركه في آخر لقاء لهما وهو منتشٍ وغير مبال ويردد بكل غطرسة وتعال: ( إذا مو عاجبك .. المحكمة قدامك) وهو ما دفعه بقوة إلى تقديم دعواه بعد أن فشلت مساعيه الودية ، إلا أنه وبعد أشهر عديدة ، بدا له وكأنه عاقب نفسه بنفسه حين أقدم على هذه الخطوة ، لقد استنزفته المشاوير وأرهقته المواعيد ، دونما فائدة تذكر ، فخصمه لازال ينعم بحياته. لقد بدأت المحاكم الشرعية مؤخرا تتخذ إجراء قويا ، يتمثل في رفع طلب رسمي لإمارة المنطقة يتضمن وقف جميع الخدمات عن الشخص المماطل في حضور الدعوى القضائية المرفوعة ضده بحيث يتم التنسيق مع الجهات المختصة وتعميم رقم سجله المدني عبر الأجهزة الإلكترونية حتى توصد في وجهه جميع أبواب الجهات الحكومية ، فلا يجد وسيلة لإصدار أو تجديد بطاقته أو رخصته أو أي من أوراقه الرسمية ، بجانب تعليق حساباته البنكية ورواتبه ومخصصاته ، إلى أن يمثل أمام المحكمة ويتعهد بعدم تكرار المماطلة ، وهذا الإجراء الصارم سيسهم في نظر القضية المتعثرة ، وإعادة الثقة لعموم المدعين بعدالة وهيبة المحكمة وسيؤدي هذا الإجراء بكل تأكيد إلى حفظ جهود المحاكم وتنظيم أوقاتها. الغريب ، أنه بالرغم من أهمية هذا الإجراء وغايته السامية ، إلا أن هناك آراء معارضة تطالب بسرعة إيقافه والاكتفاء بطلب المدعى عليه مرة واثنتين وثلاثا فإذا لم يتجاوب يحكم عليه غيابيا أو يتم إحضاره بالقوة الجبرية. أما أن يتم منعه من إصدار وتجديد أوراقه الرسمية أو تجميد حساباته البنكية فهذا عمل (غير إنساني) وفضلا عن أنه يعبر عن ضعف النظام لدى المحكمة فإنه سيضر كثيرا بالشخص المطلوب وعائلته الكريمة!؟. وأمام هذا الرأي الغريب فعلا أود القول: كيف يتم حسم القضية إذا لم تكن مهيأة في الأصل للحكم غيابيا؟! ، وكيف يتم الاستمرار بتنفيذ نفس الإجراءات وهي لم تثمر من قبل شيئا؟! ، وكيف يمكن إحضار المماطل مخفورا وهو ما أن يسمع رنة جرس الباب حتى يهرول خوفا أو حياء إلى داره ليختبئ فيها! ، وكيف يمكن لأصحاب هذا الرأي المعارض إقناعنا بمثاليتهم أو بفكرهم أو حتى بإنسانيتهم وقد غلبوا مصلحة المتهرب من العدالة على مصلحة المدعي المقهور الذي يفترض أن يكون هو الأولى بنصرته وحمايته وإنصافه ؟!. يا له من يوم عظيم ، يوم أن (شرف الخصم أخيرا) ولبى دعوة الحضور الموجهة إليه مرارا من قبل المحكمة ، ولكن ما بال حضرته يبدو خائفا هكذا ، وما باله يسير مطأطئ الرأس ، وما باله لا يفتي الذكر باسم المدعي عارضا الصلح والتسوية ، هل هو نفس المماطل الذي كنا نسمع عنه ، والذي لطالما سخر من فعالية الأنظمة واستخف بهيبة وعدالة المحكمة (سبحان مغير الأحوال) !؟.