مشكلة كثير من الناس أنهم يخلطون الأوراق خلطاً ينتج منه الخلل والاضطراب وعدم القدرة على تحديد مكامن الداء ، ومَواطن الدواء. وهذه المشكلة تُحدث في المجتمع بلبلة ، وأية بلبلة. إن خلط الأوراق شعار لعدم قدرة الإنسان على تحديد الموقف الصحيح في مواجهة المشكلات والقضايا التي تحتاج إلى بصيرة ورشد لمعالجتها. فهنالك مَنْ يخلط أوراق السياسة بصورة تجعله يتخبَّط في مواقفه السياسية تخبطاً يسيء إلى نفسه وإلى مجتمعه وأمته وقضيته ، ويصيب قدرته على التمييز بالخلل ؛ فيأتي بالعجائب والغرائب في أقواله وأفعاله ، وما مواقف بعض الساسة الفلسطينيين عن هذا الخلط ببعيد ؛ فنجدهم يخلطون بين أوراق الرفض القاطع لما يقوم به اليهود الصهاينة في فلسطين من القتل والتهجير ، ومصادرة الحقوق ، والاعتقالات التعسفية ، وأوراق التفاوض مع هذا العدو الغاشم للحصول على بعض الفوائد لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته ، ويصل بهم الخلط في هذه الأوراق إلى اتخاذ موقف جانح في التفاوض مع العدو ينقلهم من ساحة الرفض القاطع والمقاومة إلى ساحة التفاوض الواهن الذي يضر بهم وبقضيتهم، ولا ينفعهم أبداً. وحينما تستمع إلى كلامهم تجد أثر هذا الخلط واضحاً في كل حركة يتحركونها وكلمة يقولونها ، وتشعر بأن قضيتهم تتخلف ، ومواقفهم تضعف ، وقدرتهم على التفاوض القوي تتهاوى حتى يصبحوا آلة في يد عدوهم ، يسيرهم كيف يشاء. إن خلط الأوراق هنا هو الذي جعل هذه الفئة من السياسيين الفلسطينيين تستبيح جريمة التنسيق الأمني مع العدو الظالم الغاشم ، وفي هذا إماتة للقضية كلها وضياع للحق كله. ومما يصلح مثلاً في هذا السياق ما نراه من خلط الأوراق عند كثير من الساسة وبعض العلماء والمفكرين في حديثهم عن الأحداث الدامية التي جرت وتجري في عالمنا العربي منذ أكثر من عام ؛ فنسمعهم يرددون إسرائيل أرحم بالعرب من القذافي ، أو بشار ، أو غيرهما ، ونسمع عبارات: لم يصنع مثل هذا شارون ولا أولمرت ولا نتنياهو، فيقع هؤلاء في تزكية الظالم ، بحجة فظاعة ظالم آخر. والحقيقة أن طغاة العرب الذي سقطوا والذين ما زالوا يقتلون ويهدمون ليسوا إلا تلاميذ في مدرسة الدولة اليهودية العنصرية الغاشمة في فلسطين ، وأن الحديث عن جرائم الرئيس السوري أو غيره لا يخرج عن سياق الحديث عن جرائم شارون أو غيره من طغاة اليهود الذين لا يعرفون إلى الرحمة طريقاً. ومن أمثلة خلط الأوراق ما نسمعه من بعض المتحدثين عن حرية الكلمة ؛ فنراهم يتخبطون في حديثهم عن حرية الكلمة ، فيقودهم تخبطهم إلى الحديث عن ضرورة إبعاد أحكام الشرع ، وأوامر الدين عن الكلمة شعراً كانت أم نثراً ؛ لأنهم يظنون بما يقعون فيه من (خلط الأوراق) أن التدين ومراعاة ضوابط الشرع من موانع حرية الكلمة وإبداع الكاتب أو الشاعر ، وبهذا يجيزون لأنفسهم الحديث ، تعريضاً أو تصريحاً ، عن وجوب إبعاد الكلمة الأدبية عن ضوابط الدين ، وعدم الحُكْم عليها أو على كاتبها من خلال تصوُّر شرعي سليم ، والنتيجة تخبط واضح في الحديث عن أوامر الدين ، وجرأة على الدين وتعاليمه ، وآدابه وضوابطه. إنها مشكلة تحتاج إلى رأي حازم حاسم. إشارة خلط الأوراق جناية على القيم والأخلاق.