لا بد أن تكون الحملة ضد الفساد شاملة كاملة ، تبدأ من المنزل وتنطلق إلى المجتمع كلِّه بمساجده ومدارسه وجامعاته ومراكزه ونواديه ومؤسساته وشركاته ودوائره الحكومية ، وسفاراته وجميع مرافقه. إن الفساد - بجوانبه كلها - داء عضال ، وهو كالسرطان يخفى حين يستشري حتى إذا انتشر ظهر ، وإذا ظهر أصبحت مقاومته لزاماً ، وصارت مدافعته فرضاً ، ولا يمكن أن تتأتى تلك المقاومة وتنجح تلك المدافعة إلا بأدوية قوية صارمة تهز جسم المريض هزاً ، وتؤز خلايا جسمه أزاً ، حتى يستيقظ الجسم بخلاياه وأنسجته ، ويستعيد قوته ونشاطه في مواجهة المرض المستشري. التربية (الإسلامية) القائمة على أسس واضحة من كتاب الله وسنَّة رسوله هي الأسلوب الأول الأمثل الذي لا بد أن تقوم به الأسرة حاضنة الإنسان ، والمسجد مرتعه الروحي ، والمدرسة ميدانه التربوي التعليمي ، والمراكز العلمية والثقافية والاجتماعية ، ساحاته الميدانية للتوجيه والتدريب والتطوير. هيئة الفساد تشبه العلاج (الكيماوي) و (الكهربائي) الذي يُستخدم بعد ظهور المرض واستشرائه في الجسم ، وهي بحاجة إلى تلك الروح القوية التي يستخدمها الطبيب المعالج منحِّياً مشاعره الخاصة ، متجاهلاً ما يحصل من تغيُّرات مؤلمة على جسم المريض من تغيّر لون جلده ، وتساقط شعره ، والألم الشديد الذي يشعر به ، لأنه يهدف إلى كبح جماح المرض ، وتحطيم خلاياه السرطانية ، للحيلولة دون انتشارها ، فإذا نجح في هذه المهمة بتوفيق الله ، عادت إلى جسم المريض قواه الطبيعية ، وتجددت خلاياه ، وعاد إلى حيويته ونشاطه. هيئة مكافحة الفساد لن تستطيع أن تقدِّم شيئاً ذا بال إذا لم تملك روح الطبيب القوية التي يعالج بها السرطان ، وعملها هنا عمل متأخر - كما أشرنا إلى ذلك - فهو عمل (علاجي) قبل أن يكون وقائياً. المهمة إذن ، مهمة المجتمع كله ، تديُّناً رشيداً ، وتربية إسلامية واضحة ، وتعليماً واعياً يحافظ على أصالة الإنسان الدينية والثقافية واللغوية ، ويبني عليها تطوير الذات علمياً وعملياً. إنها (الحملة الشاملة) ضد الفساد ، إذا كنا نريد نجاحاً منقطع النظير في القضاء على مرض الفساد الخطير. إشارة: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير).