فها نحن في زمن طغى عليه الانفجار المعرفي ، وكثر فيه الانفتاح الثقافي ؛ بين شعوب الأرض كافة ، حيث تيسرت به أدوات التداول ، وعظمت فيه قنوات التبادل ، ووقع به التأثر ، وحصل فيه التأثير. وعن الثقافات التي توجد في المجتمعات ؛ ففيها النافع والضار ، والصالح والفاسد ، منها ما تتوافق مع العقل الصحيح ، والفطرة السليمة ، ومنها ما تختلف مع ذلك ، ولكلا الجانبين قائمين ومنظرين ، وأما المسلم فله منهج ورسالة ، فما وافق عقيدته من الثقافات الأخرى أخذ به ، فالحكمة ضالته ، حيث وجدها فهو أحق بها ، وما عارض دينه ؛ لزمه عند ذلك الانصراف عنها، وعدم الالتفات إليها. وقد برز في مجتمعنا السعودي من ينادي بأفكار دخيلة ، وينشر ثقافات تغريبية خطيرة ، تطمس الهويّة ، وتقضي على المزيّة ، وحجتهم هي التقدم والحرية ، وقد يؤولون لذلك نصوصاً شرعية ؛ كي تتوافق مع هواهم ، ليصلوا بها إلى مبتغاهم. (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون). وما الثقافة الفاسدة ؛ إلا تلك الثقافة السطحية الضحلة ، الركيكة الهزيلة ، الفوضوية العشوائية ، التي عملت على تشويه العقيدة والمفاهيم الشرعية ، وقامت على جرح الصحابة وعلماء الأمة والدعاة المصلحين ، وهي التي قوامها نشر الرذيلة ، ودحر الفضيلة ، وطمس القيم الجميلة ، والمعاني النبيلة. إن هي إلا وباء كبير ، وشر مستطير ، تفسد على المرء دينه ، وتؤدي إلى ضياع مستقبله وآخرته ، ينتج عنها خلل في الفكر ، وتشويش في التفكير ، واضطراب في المشاعر ، وانحراف في السلوك. (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد). إنها ثقافة مرفوضة ؛ لن يكون لها بيننا معنى ولا قيمة ، حيث نعيش في مجتمع له ثقافة ربانية ، تضم الخير والنور،وتدعو إلى الجنان ، وأعلى الدرجات ، فهل نترك الأعلى ، ونسعى إلى الأدنى؟! (فمن اتَّبع هداي فلا يضلُّ ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشة ضنكاً). والحق أن المثقف ليس كل من حاز على شهادة جامعية ، أو ظفر بلقب علمي ، أو ملك زمام القنوات ، وأعمدة الصحافة ، أو استولى على عضوية الأندية والملتقيات ، فالمثقف الحقيقي الأصيل : هو الذي تعرفه بسلوكه وتصرفاته ، وصحة فهمه ووعيه ، وسلامة فكره وتفكيره ، وهل هو ثابت على المثلُ ، حريص على الالتزام بالمنهج القويم ، والصراط المستقيم. إني لأرجو أن نحمي أنفسنا من تلك الأبواق الضالة ، والأصوات الهدامة ، التي تعبث بالثوابت ، أو تنشر الفكر المغلوط ، أو تقدم الطرح المسموم ، وذلك بدحض أقوالهم ، وتفنيد افتراءاتهم ، والكشف عن خططهم الفاسدة ، ومخططاتهم الفاشلة. كما أتمنى الاستفادة من أي ثقافة دنيوية ؛ توسع الآفاق , وتشعل الإبداع ، وتزيد في النماء والعطاء ؛ مادمنا نحافظ على هويتنا الإسلامية ، ونحرص على فهمها ، ونهتم بنشرها في أرجاء الكرة الأرضية ، وللناس كافة. (فأما الزبد فيذهب جفاء ، وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض).