قبل أسبوعين ، وفي هذه الصفحة ، نشرت (الوطن) خبراً عن وفاة ممثل مصري اسمه سامي أحمد عبدالله. الذي لفت نظري في الخبر أن الصحيفة قالت أهم شيء عن سامي أحمد عبدالله ، وهو أنه مثل في العديد من الأفلام الهامة ، من بينها فيلم (الكيت كات). (هيييه .. ربنا يرحمك ياعمّ مجاهد) .. بهذه العبارة ، يحمل الرجل الكفيف محمود عبدالعزيز ، جثمان سامي عبدالله ، في عربة صغيرة لنقل الطوب ، ويمشي به في أزقة حيّ الكيت كات بالقاهرة ، في مشهد ضرير يقود جثة ميّت ، في واحد من أروع وأهمّ مشاهد فيلم الكيت كات لمخرجه العبقري داود عبدالسيّد ، وواحد من أهم وأجمل وأعمق المشاهد في كلّ تاريخ السينما العربية. الذي لم يشاهد فيلم الكيت كات ، لم يشاهد روعة الممثل القدير سامي عبدالله، ولم يعرف كيف يمكن أن يكون العمر لا علاقة له بالعبقرية والاستثنائية والعملقة ، إذ قدم العجوز سامي عبدالله في هذا الفيلم ما لم يقدمه عشرات الفنانين الصغار سناً والكبار موهبة. مشكلة الإعلام الفني العربي ، أنه لا يلتفت إلاّ لنجوم الشبّاك ، من صغار السن وعديمي المواهب ، وهؤلاء في الوسط الفني العربي ، أكثر من الهمّ العربي على القلب ، ولهذا يمرّ ممثل رائع مثل سامي عبدالله كمن لا يمرّ. يدخل المشهد التمثيلي بأبوّة طاغية وصعبة الصناعة ، ويخرج من المشهد التمثيلي حتى لو كان قصيراً، دون أن يخرج من ذاكرة المتفرّج. صنع سامي عبدالله ، جمالية عشرات الأفلام في تاريخ السينما المصريّة ، حتى لو لم يكن اسمه في أفيشات الأفلام التي يعتليها أبطال فارغون ، وإذا كان هناك نجوم ضوء ، فسامي أحمد عبدالله أحد أهمّ نجوم الظلّ. رحل (طيّب السينما المصريّة) ، دون أن يحدث أدنى ضجيج ، ودون أن يزعج أحداً ، كمن لا يمرّ. (هيييه ، الله يرحمك ياعمّ مجاهد).