*في ركن من البيت .. وقفت أمام هيبة النفس .. تخيلتها جرماً سماوياً .. يتلاطم مع بعضه .. ما هذه النفس التي احمل؟!.. ماذا حلّ بطقوسها؟!.. ماذا يدور ويحدث بنسيجها؟!.. غابت القوى الصّادحة .. بين ما هو صحيح .. وغير صحيح .. وفي ظل الأسئلة حيرة .. وتناقض .. وتضارب .. تذكّرت البحر .. كنتيجة ، غابت شواهد شواطئ بحر النفس .. قرّرت الانتقال إلى شواطئ مياه البحر .. لقاؤه باليابسة يشكّل قصة .. لقاء مفتوح .. لا تفسير لنتائجه .. غير التأمل. *معانقة هواء البحر مزاج خِصب .. للبحر سطوة وغموض .. يقبض النفس .. أجمل ما في البحر صمته .. يحمل النفس إلى أعماقه بدون بلل .. تعالت تأمّلاتي .. نحو أجواء أكثر فهماً .. وأعم استيعاباً .. تأمّلات لمواجهة تساؤلاتي المتعاظمة .. هل تُبدّد التساؤلات طلاسم غيوم النفس؟!.. تراكمت بفعل الفاعلين .. غيوم لا أراها .. أحسُّ بوجودها .. هواجس تدفع لاستيعاب مناخ العرب ومصيرهم. *حياتنا كلها أبواب .. فتحت باب الغرفة .. نحو ملابس البحر .. فتحت باب البيت .. نحو سور المنزل .. فتحت باب سور المنزل نحو الشارع .. أخيراً فتحت باب السيارة .. كانت تنتظر كعادتها .. تشكّلت علاقة المنفعة مع حديدها الجامد .. أرتاح بالجلوس في جوفها .. تبلعني كالحوت بكامل رغبتي واختياري حديد يعطيني شعوراً بحيويّتي .. هناك سيارات تعطيك الشعور بأنها في قبضتك .. هناك سيارات تحسُّ معها بالغربة وكل السيارات تشعرك بمدى التخلف الذي تعيش. *ركبت السيارة مسحت بيدي على حديدها إعجاباً .. أدخلت مفتاح التشغيل في صومعته .. أدرت المفتاح .. تولّدت شرارة طاقة قوة المحرّك .. تولّد الصوت .. استنتجت أن الأمور صحيحة .. أفعال لا نعطي لها أهمية .. لا نلقي لها بالاً .. ماذا يجري داخل محرّك السيارة؟!.. سؤال يفجر نشاطاً محبطاً للبعض .. سيارة تمّ تفصيلها لتسهيل الحياة .. البعض يحوّلها إلى بحار من المآسي والأحزان والشؤم وفي لحظات .. أصبح البيت خلفي .. كتلة خرسانية .. لكنها تبعث بعضاً من أنواع المشاعر الإنسانية .. بداخله منافع .. تحمل حزمة تفاصيل .. نعرف وظائفنا في هذه البيوت .. تقول العرب: البيوت أسرار .. وأزيد: البيوت بحار ثابتة .. من حجر وطين .. تحمل في أحشائها قصة حياة. ▪▪ بسلام .. تجاوزت أول تقاطع للشارع .. وفيه حكايات .. شوارع تمثل أوضاع العرب .. صعود وهبوط .. اهتزازات وتمايل .. جروح .. بقايا جروح .. شوارع مثل نفسيّات أصحابها .. تعجُّ بالحفر .. والمطبُّات .. والتشققات .. وترى حبّات الرمال تسبح على ظهره .. حوله أرصفة ليس لها طعم .. وصلت لشاطئ البحر .. تأكّدت من ملامح مكان موقف السيارة .. ترّجلت .. حملت نفسي نحو البحر .. وجدته هائجاً .. هبوب عالية السرعة .. تقذف بأمواجه على صخور الشاطئ المنقولة .. تنكسر الأمواج وتتفتت .. تصبح بقايا مياه .. رذاذ وقطرات وبخار .. تعود إلى البحر محطّمة .. تتجمّع وتعيد الحركة بمؤثرات لا تتوقف. *يمتد بساط الماء ليغطي الأرض أمامي .. هو البحر .. هل تستطيعون تعريفه؟!.. لا نستطيع المشي على سطحه .. نطفو عليه بوسائل وأدوات .. تتقبّلها البحار باختيارها .. وبعد تعب الوقوف .. جلست .. بطريقةٍ لها معنى .. على قمة صخرة صماء .. تمّ غرسها على الشاطئ .. تؤدّي وظيفة تكسير قوة وهيجان الأمواج .. البحر كالمزاج .. هادئ إلى أن يحرّكه الهبوب في كل اتجاه. *في لحظات .. انتقلت إلى بحار تاريخ الماضي .. تذكّرت (عمر بن الخطاب) .. (رضي الله عنه) .. طلب وصفاً للبحر .. ويأتيه الجواب مختصراً من (عمرو بن العاص): الناس فيه دود على عود .. الداخل مفقود والخارج مولود .. فهم (عمر) الرسالة .. قرّر عدم إجبار أمته على ركوبه ما بقي حياً .. ثم تساءلت عن أول إنسان ركب البحر .. عن أول غريق في البحر .. فجأة تلقّيت لطمة مبتلّة .. بذراع الهبوب القوية .. أطاحت بكل أطناب الاسترسال .. كنتيجة ، انتقلت مباشرة إلى التفكير في هذه الهبوب القوية .. جسم لا نراه .. نحسُّ بوجوده وقوته .. من جعله يتحرّك؟!.. من أي الجهات منبعه؟!.. وفي أي اتجاه مقصده؟!.. أيهما أقوى .. البحر أم الهبوب؟!.. بل أيهما انفع؟!.. وقبل أن افقد عقلي .. قررت الانسحاب .. إلى البيت عبر بواباته التي اعرف. *داخل البيت .. وجدت نفسي أمام صندوق جامد ساكن له تأثير .. تمّ تخصيص جدار بكامله لمقامه العالي .. نعيش حوله .. (التلفاز) .. هو البحر بكل دلالاته .. بأمواج يحرّكها بشر .. ولهم مقاصد .. بحر من الرسائل .. والناس أمامها مثل صخور الشاطئ .. يتلقفون أمواج تأثيرها .. تصبح رذاذاً يبلل النفوس .. سلباً أو إيجاباً .. من يحدّد ذلك؟!.. وفي لحظة صامتة .. أيقنت بأن (التلفاز) بحر في بيوتنا .. بحر يحتاج إلى تعريف عمرو بن العاص .. وقرار عمر بن الخطاب.