شتَّان بين مَنْ يسير في وَضَح النهار مطالباً بحقٍ مشروع لم يحصل عليه ، أو برفع ظُلمٍ واقع عليه لم يستطع دَفْعه ، أو داعياً إلى نُصرة مظلومٍ يراه يعاني من ثقل الظلم وجور الظالم ، وبين مَنْ يسير متخفِّياً في جحور الحقد والضغينة ، رافعاً لواء الشقاق والشَّغَب ، ولافتات الكذبِ الصُّراح والادِّعاء ، ساعياً إلى إثارة فتنتةٍ ، وإشعال نار خلافٍ في مجتمع متماسكٍ مطمئن. الفرق بين الحالتين كالفرق بين الضياء والظلام ، والشقاق والوئام. وهو فَرْقٌ واضحٌ الوضوح كلّه في أذهان عامَّةِ الناس من غير المتعلمين والمثقفين ، فكيف بأهل العلم والثقافة والمعرفة ؟؟. في بلاد الحرمين (المملكة العربية السعودية) صورة واضحة لمجتمع مسلم متماسك ، وشعبٍ مجتمع على كلمة التوحيد أقوى اجتماعٍ وأحسنه ، وفيها واقع شاهد على تكاتف وتآلف ، وشعورٍ عميق بروح البلد الواحد الذي يرفع راية واحدةً لا يختلف على عبارتها العظيمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) أحد ، إلاَّ مَنْ كان في قلبه مَرَض ، من منافقٍ يُخفي ما لا يظهر ، أو طائفي الَّنزعة غارقٍ في التعصُّب الأعمى لطائفته ، أو مذهبيٍّ موغل في مذهبيَّته ، أو صاحب فكر منحرف مبالغٍ في انحرافه. هذه اللُّحْمة العظيمة في هذا الوطن هي الجوهرة التي لابدَّ للعقلاء المخلصين من حمايتها ، وصدِّ أهل الشرِّ عنها. إنَّ مَنْ يحاول مَدَّ يد السُّوء إلى هذه (الجوهرة) حاقدٌ متطاولٌ مشاغب لا يصح أَنْ يُهْمَلَ شأنُه ، أو يُستهان بأمره ، بل إنَّ رَدْعه وإيقافه عند حدِّه مسؤولية كلِّ مَنْ يؤمن بالمبادئ التي تشكِّل شخصيَّة هذا الوطن وترسم صورته الذهنيَّة. نحن نؤمن بوجود الأخطاء والتجاوزات ، وندعو إلى ضرورة إصلاحها ومعالجتها بصورة عمليَّة واضحة سريعةٍ لا تَسْويف فيها ولا تأخير ، وهنالك مَنْ يتحدَّث عنها ، ويبرزها ويطالب بإصلاحها ومعالجتها ، وهو أسلوب مشروع لا تثريب على من يَنْتهجه من أبناء الوطن المخلصين الغيورين الذين يحملون حباً صادقاً لوطنهم وهم يتحدثون عن أخطائه وما يجري فيه من تجاوزات أو تقصير. ولكننا نؤمن- مع ذلك- بأن هنالك خطَّاً أحمر لا يجوز أن يتجاوزه أحد مدَّعياً أنَّه يريد تصحيح الأخطاء ومعالجة التجاوزات وإكمال النَّقص ، وهذا ما يدعونا جميعاً إلى وجوب الإدراك العميق للفرق بين الأحداث التي تجري في عالمنا العربي ، وهو إدراك مطلوب من الحاكم والمحكوم ، وجميع أفراد الشعب وشرائح المجتمع حتى لا تختلط الأوراق ، ويجد الحاقدون علينا مدخلاً ، فيخرجون من جحور أحقادهم وضغائنهم لإشعال نيران الفتن والخلافات التي ترسِّخ جذور المشكلات والأخطاء ، وتزيد نيران الفتنة اشتعالاً. إنَّ المشاغبين واهمون ما داموا يظنُّون أنَّ المشاغبةَ يمكن أنْ تندرج تحت مفهوم (ثورة المطالبين بالحقوق) التي تجري في بلادٍ عربية لا يختلف عاقلان على ما فيها من الجور والظلم ، وإهدار الحقوق إهداراً منظَّماً مقنَّناً ، سواء أكانت حقوقاً شخصية أو عامَّة ، وهم واهمون ما داموا يظنون أن الشَّغب أسلوب يمكن أن يصحح به المشاغب خطأ ، أو أنْ ينال به حقاً. يبقى لنا بعد ذلك أنْ نقول: إنَّ مسؤولية الإنسان في هذه البلاد مسؤولية عظيمة ، فهو - في أي موقع كان - مطالب بأداء الحق ، والقيام بالواجب ، وبالنظرة الجادة إلى ما يجري من حوله ، نظرةً تدفعه إلى سدِّ الثغرات ، والجدّ في تنفيذ القرارات المتعلِّقة بمصالح الناس تنفيذاً عاجلاً دون تسويف أو تأويل ، حتى لا يبقى منفذٌ في أذهان الناس لرأي مشاغب ، أو تشويش حاقدٍ يعرف كيف يعكِّر الماء ويصطاد فيه ما يشاء. إشارة: وقد تتعدَّد الآراء فينا=وتختلف المسالك والشِّعابُ وما يدعو إلى الغدر اختلاف =فكلٌّ حَسْب نيَّته يُثاب