هناك حكمان حكم الله وهو الإسلام وحكم الجاهلية بما يهواه البشر ويشرّعونه دين الله يحتاج إلى الدعوة الصريحة الجليّة فلا يحل كتمانه ولا تغييره واجب المسلمين أن ينادوا بدولة إِسلامية تقيم شرع الله وتدعو إليه أبد الدهر لا يعرف الإسلام دولة دينيّة لا تقيم العدل بين الخلق على أساس من شرع الله إذن هنالك حكمان لا ثالث لهما: حكم الله بما أنزل على رسله دينًا واحدًا هو الإسلام! وحكم الجاهلية بما يهواه البشر ويشرّعونه! هذا هو حكم الله، وهذا هو أمر الله، فإما أن نؤمن به ونلتزمه فنحن مسلمون مؤمنون، وإما أن يُراد حكم الجاهلية، فمن أراد ذلك فحسابه عند الله، لا نقرّ حكم الجاهلية ولا ندعو إليه ولا نأمر به. ثم تأتي آيات أخرى تفصّل هذه القضية تفصيلًا كبيرًا. وتتأكدَّ هذه المعاني في سور أخرى. فالحكم الحق هو لله، أي لدينه الحق وشرعه: (... إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ . أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ . ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يوسف:40] نعم! إن الحكم إلا لله، لشرعه، لدينه الحق، للإسلام! فهذا هو مناط الدولة التي يجب أن يُنادي بها الناسُ كافَّة لأنها هي وحدها التي توفّر العدل بين الناس والأمانة والمساواة على موازين قسط، والحرّية المنضبطة التي تصلح الأمة وتسعد الناس. وفي هذا الحكم وحده تَتَّحِدُ العدالة والحرّية والمساواة في شرع الله ليسعد الناس كل الناس في ظله. فالإسلام لا يعرف دولة مدنيّة فقط تبعد عنها الدين إنه الكفر الصريح. ولا يعرف الإسلام دولة دينيّة لا تقيم العدل بين الخلق على أساس من شرع الله، أو دولة دينية لا تنظر في واقع الحياة ولا تردّه إلى دين الله، أو دولة دينيّة تحكم بجزء من الدين الحق، أو بالدين الذي حُرّف وبُدِّلَ ولم يَعُدْ في أي حالة من الأحوال يمثل دين الله، إنه افتراء على الله كبير: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً . يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ . وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ . وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ . فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ . إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة:13] نعم! فاعف عنهم واصفح، ولكن لا تُقرّ لهم بباطل ولا تجاملهم في الحق: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [المائدة:14] وكذلك فقد حدد لنا الإسلام كيف نخاطب أهل الكتاب خطابًا حقٍّ ودعوة: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ . قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ . قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا . وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا . يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ . وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة:1517] هكذا أمرنا أن نخاطب أهل الكتاب بالحق، وأن ندعوهم إلى الحق، فإن استجابوا فهم من المسلمين، وإن أبوا فقد أذن لهم الله ورسوله بأن يعيشوا في ظل حكم الإسلام، ودين الإسلام، يمارسون شعائرهم دون أن يدعوا إلى النصرانية أو اليهودية، ودون أن يتعاونوا مع أعداء الإسلام، ودون أن يجهروا بدينهم ولكن لهم أماكن عبادتهم خاصة بهم، ولا يبنون أماكن عبادة لهم جديدة، وأحل الله للمؤمنين طعامهم والزواج من نسائهم، ويخضعون لحكم الإسلام في دولة الإسلام، وعلى دولة الإسلام أن تحميهم وتدفع عنهم الأذى والعدوان ما داموا خاضعين لحكم الله ورسوله. وبذلك يكونون أهل ذمة. أي أنهم في ذمة المسلمين، فيكون لهم حقوق يجب أن تؤدى، وحماية يجب أن تراعى، ولا يحل الاعتداء عليهم ولا على كنائسهم، ولا يظلمون. ولكننا نعجب من واقع بعض المسلمين اليوم، حين لا يجهر بالحق كما جاء من عند الله، ويجارون أهل الكتاب والمشركين في دعوات باطلة وشعارات كاذبة فكم نادى المسلمون اليوم بالديمقراطية التي أذلتهم وأخرجتهم من ديارهم، وكم نادوا بأنهم يريدون دولة مدنية لا دينية، وكم سكتوا وصمتوا ولم يعلنوا الحق الذي جاء من عند الله! وأعجب كيف أن أهل الكتاب اليوم أخذوا يتجرؤون بإعلان باطل لا يأذن به الله، ويدعون علانية إلى نصرانيتهم ويهوديتهم، ويجهرون بالباطل والمسلمون لا يجهرون بالحق، فيزداد المسلمون ضعفًا حين يظنون أن المجاملات الباطلة تصُدُّ عنهم الأذى، والأذى يزداد، والفتنة تتسع. يجب على الدعاة المسلمين أن يجهروا بالحق كما جاء من عند الله دعوة لأهل الكتاب إلى الحق، وحماية للمسلمين من أن يفتنوا عن دينهم بمواقف ضعف ومجاملات لا تحمل الحق. إن دين الله يحتاج إلى الدعوة الصريحة الجليّة لأنه دين من عند الله، فلا يحل كتمانه ولا تغييره، ولا تحلّ المجاملات الكاذبة. فإن كنا اليوم، نحن المسلمين، في ذلة وضعف وهوان، ولم نستطع أن نفرضَ ذلك كله، فلا يحلّ لنا أن نعلن خلافه ونرضى علانية بغيره! فإما أن نعلن الحقّ الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، أو أن نصمت! ونعود إلى ما بدأنا به من تسمية الدولة دينية أو مدنية، فنقول هذه التسميات لم يعرفها الإسلام، وإنما أقر الإسلام حكم الله ورسوله كما جاء في الكتاب والسنة، فنقول ونعلن: دولة الإسلام، وحكم الإسلام بصوت جليّ جريء أو نصْمت ولا نقرّ بباطل نُرضي به شياطين الإنس والجن. إن رجال اليهود والنصارى يعرفون حق المعرفة حكم الإسلام فيهم، ويعلمون أنهم خضعوا له قرونًا، فوجدوا فيه العدالة والأمان مما لم يجدوه في غيره. وهل هنالك عدل أكثر من حكم الله وشريعته؟! ومن يبدّلْ شرع الله أو يُحَرِّفْه أو يتنازلْ عنه فإن الله سيذلّه إن شاء في الدنيا وله في الآخرة عذاب عظيم. ولكن الكثيرين اليوم لم يعودوا يبالون أو لا يؤمنون بعذاب الآخرة، وإنه لموعد قريب. وهنا لا بد من سؤال يفرض نفسه: لماذا لم يتمّ حتى الآن بناء الأمة المسلمة الواحدة، أو المجتمع الإسلامي المتكامل في أي قطر إسلامي، بالرغم من كثرة الدعاة والحركات الإسلامية والمؤتمرات والكتب والمؤلفات.... الخ، وبالرغم من الزمن الطويل الذي مرّ على العمل الإسلامي وهو في الميدان؟! ولماذا المسلمون اليوم في ذلة وهوان؟! ونعتقد أن أهم أسباب الفشل، وأسبابه كثيرة، نوجزها بما يلي:اتجاه الدعوة الإسلامية إلى العمل الحزبي الذي فرَّق الجهود من ناحية، وغذى الخصومات والعصبيات الجاهلية، وأثار فريقًا ليكون ضد الدعوة الإسلامية، دون أن نبلغه دعوة الله ورسالته، وانشغال العمل الإسلامي بأنشطة ليست ذات جدوى أخذت كثيرًا من الجهود وأضاعت كثيرًا من الفرص، وزادت من الفرقة والانشقاق، وأضعفت جهود البناء والتربية والإعداد، وعدم وجود منهج موحّد يقرّب القلوب والجهود، ليكون النهج الموحّد نابعًا من أربعة مصادر مترابطة: أسس الإيمان والتوحيد، المنهاج الرباني قرآنًا وسنة ولغة عربية مدرسة النبوة الخاتمة، المدرسة الخالدة مع الدهر كله، وعي الواقع من خلال منهاج الله ورده إليه. وإننا نقدم نموذجًا لهذا النهج بتكامله تحت عنوان: نهج مدرسة لقاء المؤمنين وبناء الجيل المؤمن، ولذلك لم تنلْ قضية تبليغ رسالة الله إلى الناس كافّة كما أنزلت على محمد r تبليغًا منهجيًّا، وتعهّدهم عليها تعهدًا منهجيًّا، الجهدَ الموحّدَ الكافي والضروري الذي يأمر به الله، ولذلك، ولهذه الأسباب صَعُب أو تعذّر بناء الدعوة الإسلامية الواحدة في الأرض بمنهجها الموحد وجهودها المتناسقة، كما أمر الله أن يكون المؤمنون أمة واحدة ودعوة واحدة، لهذه الأسباب كلها تمزَّقَت حقيقة أُخوّة الإيمان كما يريدها الله سبحانه وتعالى. ولذلك ظهر دعاة مسلمون أعلام يفتون على القنوات الفضائية بأنه لا مانع في الإسلام أن يكون رئيس الدولة المسلمة نصرانيًا ولا مانع أن يكون امرأة. إلى أي درجة تدنّت الفتاوى وهبط الدعاة. وفي ختام هذه الكلمة نعيد ونؤكد أن كلمة «دولة مدنيّة» تعني دولة علمانيّة لا يدخل الإسلام في فكرها ولا نظامها، ولا تقيم لمفهوم الدار الآخرة أي دور في حياة الناس. فواجب المسلمين إذن أن ينادوا بدولة إِسلامية تقيم شرع الله وتدعو إليه دعوة ماضية مع الدهر. ولا يحل لمسلم أبدًا أن يدعو إلى دولة مدنية ولو ادعى بمرجعية إسلامية، فذلك تناقض مكشوف لا يستقيم، ودعوة لا مجال لتطبيقها في واقع الحياة لتناقضها. نوجه هذه الكلمات نصيحة خالصة للدعاة والعلماء والحركات الإسلامية، نصيحة خالصة لوجه الله، عسى أن تستيقظ القلوب وتلتقي كما أمر الله سبحانه وتعالى أن يكون المؤمنون أمة واحدة، ودعوته دعوة واحدة في نهجها وأهدافها ووسائلها.