للوطن - أي وطن - إيقاعه الخاص في قلوب أهله ، إيقاع لا يختلف ولا يختل مهما كانت الأوضاع التي تحيط بالوطن ، إيقاع يعزف ألحان الحب الحنين ، والشوق الدفين ، ويظل يلامس شغاف القلوب ، مهما تناءت بأصحابها عن الوطن الدروب. الوطن حياة في الحياة ، وشعور في الشعور ، ونبض في الوجدان ، ونور تستضيء به العينان. يستقر الإنسان في وطنه فيعشقه بتفاصيله كلها ، أملاً وألماً ، راحة وتعباً ، صفاء وكدراً ، حجراً ومَدَراً ، وخصباً وجدباً ، ويرحل الإنسان عن وطنه رحيلاً اختيارياً أو إجبارياً فيظل يعشقه بتفاصيله كلها ، وينتعش في قلبه حبه لوطنه ، كما تنتعش ذكرياته الجميلة بحلوها ومرها ، وصفوها وكدرها ، حتى يتولد من ذلك (الحنين) ، وما أدراكم ما الحنين ، شيء عجيب يسري في العروق ، ودبيب لذيذ ينساب في أعماق القلب ، يثير فيه من لذة ذكرى الوطن ما يصعب وصفه والتعبير عنه ، ويثير من حرقة البُعد عن الوطن ما يصعب - كذلك - وصفه والتعبير عنه ، ومَنْ الذي يستطيع أن يصور الحنين الصادق ، في القلب الخافق ؟؟ حينما أردت أن أصور ما كنت أشعر به من حنين جارف ذات يوم لم أستطع إلا أن أقول: شوق المحبِّ إلى أحبته دبيب في العروق=أخفيت عنكِ تشوقي ، وأنا المَشُوق أنا المَشُوق إيقاع الوطن الحبيب إلى القلوب إيقاع أميز في إيقاع حب متميز ، فهو إيقاع في الإيقاع ، وهواء إشراق أميز في إشراق روح متميز ، أي أنه إشراق في الإشراق ، ومن الذي يستطيع أن يفكك أجزاء هذه المعادلة ليعبر عنها ؟؟ ورد عن الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه جميعاً - أنه تأمل مكة حين فارقها مهاجراً ، ثم عبر عن حبه العميق لها تعبيراً وضعها في موضعها اللائق من قلبه الطاهر عليه الصلاة والسلام من جانب ، ووضع عقيدته ودينه وشريعة ربه في موضعها الأليق من قلبه المؤمن المطمئن عليه الصلاة والسلام من جانب آخر. قال: (والله إنك لأحب بقاع الأرض إليّ ، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجتُ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. إيقاع الوطن الغالي يظل أجمل إيقاع تصغي إليه القلوب ، بعد إيقاع إيمانها بعلام الغيوب ؛ ذلك لأن الوطن غالٍ جداً ، ولكن الإيمان بالله أغلى ، ومكان الوطن في القلب عالٍ جداً ، ولكن مكان الإيمان بالله في القلب أعلى. لذلك كله ولغيره من المعاني السامية المتعلقة بحب الوطن أصبح حق وطن الإنسان عليه عظيماً ، وأصبح كل إنسان يحمل أمانة وطنه ، حباً وإخلاصاً وتنمية وبناء ، وتقويماً وإصلاحاً ، يستوي في ذلك الرجال والنساء ، والكبار والصغار ، والولاة والرعية ، يقدِّم كل قبيل ما يستطيع حسب قدراته وطاقاته وموقعه من المسؤولية في وطنه. ولاة الأمر يرفعون راية العدل والإنصاف ، ورعاية حقوق الناس بلا ميل ولا إجحاف ، ويبتعدون عن الظلم والقسوة ، وينشرون بين رعيتهم الرفق والمحبة والوئام. والعلماء يقدمون لوطنهم من العلم النافع ، والتوجيه الصادق ، والفتوى النزيهة ، والنصيحة الخالصة ما يتحقق به معنى حب الوطن ، والقيام بحقوقه. والأدباء والمفكرون يرسمون أجمل لوحات الثقافة الصافية ، والفكر السليم والرؤية النقية من غبش الضلالات والأهواء ، أداء لحق وطنهم عليهم. والإعلاميون يرفعون شعار الترويج للقيم والمبادئ ، والأخلاق الفاضلة والحياء والعفة ، والسلوك المستقيم ، وينشرون ما يرفع معنويات الناس في وطنهم ، قياماً بواجب حب الوطن عليهم. وعامة الناس يستمتعون بإيقاع وطنهم الجميل ، ويقدمون له ما يستطيعون من الحب والوفاء ، والعمل النافع المفيد. الوطن الغالي يسعد بأهله المخلصين ، وهم يسعدون بإيقاع وطنهم البديع. إشارة: وطني أنت واحة ورياض=مورقات وديمة هتَّانة