اختلط حب المساقي وحب العثري وبعد يزيد ، عبارة كان يرددها غرم التهامي حين يشاهد وجوهاً غير مألوفة لديه ، غرم يقتعد ركن سوق أحد رغدان لبيع منتوجاته وهي من صنع يده (قفاف ، مقاشش ، مساطح ، وغيرها من المصنوعات السعفية) وأثناء وجوده في السوق يضفي بهجة لمرتادي السوق من خلال طريقة بيعه وأسلوب كلامه وحركة جسده ، ما أن ينفض السوق الشعبي من مرتاديه حتى يسارع في جمع ما بقي من بضاعته ليضعها على ظهر حماره , تلازم عجيب بينه وبين مركبته ليست سيارة من صنع الإنجليز أو الطليان أو الأمريكان ، أو حتى اليابان ، حمارة غبراء ألفته وألفها ، تلازم عجيب بينهما ، تنقل منتجاته اليدوية ليعرضها في أسواق سراة الباحة . وينتهي به المقام في رغدان وسوقها الأسبوعي الشهير الأحد . (غرم) حاله فريدة في جَلده ، وصبره ، صنع له حذاءً من إطار السيارة فصّلها على مقاس رجليه ، أخذت قدماه في الانحناء بحسب انحناء قطعة الإطار الصلبة ورغم متانة الصنع إلا أنها بعد مشاوير طويلة صعوداً إلى قمة جبل , وهبوطاً إلى بطن واد تجد الحذاء تمزقت ليستبدلها بحذاء أخرى . يقف غرم في منتصف سوق الأحد , وبصوته الحاد المميز وبإنشاد لا تنكره الأذن ينثر كلماته على رؤوس المتبضعين (اختلط حب المساقي وحب العثري .. وبعد يزيد) لتصبح العبارة مجمركة لغرم . وتوضيحاً لدلالات العبارة حب المساقي وهي الحبوب التي تنتجها الأراضي التي تعتمد على سقيا الآبار ، أما حب العثري وهي الحبوب التي تنتجها المدرجات الزراعية في سفوح الجبال وتعتمد على مياه الأمطار . إلا أن غرم يقصد في عبارته اختلاط الأجناس البشرية التي لفتت انتباهه وهم من الصينيين الذين جاءوا الباحة عند تأسيس شركة كهرباء الباحة وكذلك الأمريكيين والأوروبيين والفلبينيين الذين اشتغلوا في مستشفى الملك فهد بالباحة عند افتتاحه . ووجدت بضاعته –المهملة- اهتماماً وإعجاباً وشراء من أجناس لم يتعود رؤيتها . غرم كان وفياً حين بنى منزلين مجاورين في مسقط رأسه في قرية (الجوة) بتهامة أحد المنزلين سماه رغدان والآخر زهران .. ولم يدر أن قصرين ملكيين بهذين الاسمين في الأردن ، وسر تسميته لأن بضاعته كانت تجد إقبالاً وبيعاً في سوق رغدان وأسواق زهران الشعبية وبالمال القليل الذي جمعه بنى هذين المنزلين الحجريين الصغيرين . ولما ذاعت عبارته الشهيرة في الأوساط الاجتماعية البعض توجس منها .. ماذا يقصد غرم ؟ هل لديه مآرب خفية ؟ إلا أن الدلائل تؤكد عدم ارتباطه بأية أيدلوجيات أو اتجاهات سياسية بل كان مغموساً في همه الخاص وبضاعته البسيطة ومكث غرم سنوات في رغدان . وقبل وفاته بفترة قصيرة جداً غادرها ليرتحل إلى مسقط رأسه ليموت . فيما ظلت عبارته يرددها الناس بعد وفاته بسنوات طويلة وما زالت الحقوق محفوظة للمؤلف . إلا أن مفاهيمها تشظت في ظل الظروف السياسية الراهنة التي يشهدها العالم العربي بعد معطف بو عزيزي التونسي .