إنه قرار المصير ؛ الذي يهمني ويهمك ، ويختص بشأني وشأنك ، قرار النجاة ؛ الذي سيخرجنا من التعاسة إلى السعادة ، ومن الشقاء إلى الراحة ، ومن الغفلة إلى الصحوة ، ومن الظلام إلى النور ، القرار المهم الذي من أجله تسير حياتنا ، وعليه يتوقف مستقبلنا ، وفيه فوزنا بعد مماتنا. إن القرار الذي يجب أن يكون شغلنا الشاغل ، وهمنا الدائم ، واهتمامنا المتواصل ؛ هو : التوبة من الذنوب ، والعودة إلى علام الغيوب. القرار بترك المعاصي نية وفعلاً ، والإقبال على الطاعات نية وفعلاً. إنه قرار كبير عظيم ؛ نحتاج إليه طوال يومنا ، ولا نستغني عنه في كل دقيقة من حياتنا ، وهو الذي يجب أن يستحوذ على تفكيرنا ، وأن تعمل من أجله أقوالنا ، وتأخذ به جميع أفعالنا. هذا هو القرار المطلوب من كل نفس بشرية -المطيعة والعاصية- ، كل الناس يقترفون الذنوب ، ويرتكبون الآثام ، ولا يسلمون من الوقوع في الأخطاء ، حتى أهل الخير والصلاح ، والدعوة والإصلاح ، ففي الحديث النبوي الشريف : (كل ابن آدم خطاء، وخير الخاطئين التوابون) رواه الترمذي. نحن لدينا بشارة عظيمة ، يجب ألا نغفل عنها دقيقة واحدة ، فخالقنا الرحيم ؛ يبسط يده بالليل ؛ ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ؛ ليتوب مسيء الليل ، وهو الرؤوف بخلقه ؛ يفرح بتوبة كل مذنب ارتكب خطيئة ، أو اقترف سيئة ، وهو الرحيم الكريم ؛ الذي يبدل السيئات إلى حسنات (إن صدق التائب في توبته) ، ف (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه ، وإن بلغت عنان السماء كثرة. سبحانه الرحيم العظيم ؛ الذي يغفر للتائب وإن تهاون في الصلاة والزكاة والصيام والحج ، وإن قتل وسرق وزنا وأكل الربا ، وإن غش وظلم وكذب واعتدى ، ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر ، أو عدد قطر المطر ، أو حبات الرمل ، وإن كانت لديه أخطاء كثيرة ، وسيئات كبيرة ، قال جل في علاه : (إِلاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) ، (الفرقان:70). قرار الرجوع إلى عالم الغيب والشهادة ؛ قرار سهل بالكلام ، لكنه غير ميسر لكل إنسان ، إذ يحتاج إلى مجاهدة النفس وهواها ، والاستعاذة بالله من نزغات الشيطان ، والإكثار الدائم من الدعاء والاستغفار ، وأما من وقع في معصية -وإن كانت صغيرة- ؛ فعليه أن يتوب فوراً ، وأن يندم على ارتكابها ، وأن يعزم على عدم العودة إليها ، مع إعادة الحقوق لأصحابها ، ففي الحديث النبوي الصحيح : (من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها). وأما الذي يتكرر منه فعل المعصية ، ويضيف عليها معاصي أخرى ؛ فعليه ألا يدمن اللوم ، ولا يكثر الندم ، يجب ألا ينهار ، ولا يضعف ، ولا ييأس ؛ بل عليه أن يتوقف عن الخطأ ، وأن يتفوق على الزلل. يجب أن يحرص على أداء العبادات ، وأن يمنع نفسه من فعل المنكرات ، كما يجب أن يتذكر ؛ أن العافية لن تدوم ، والنعمة لن تدوم ، والدنيا لن تدوم ، ساعة الموت للإنسان مقررة ، وهي قادمة في أي لحظة. (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً) (النساء: 10).