ومرة أخرى مع معالي وزيرنا السابق د. محمد أحمد الرشيد في كتابه (المرأة المسلمة بين إنصاف الدين وفهم المغالين). ووقفنا عند قوله: (فلو انحلت هذه العقدة المتمثلة في (تغطية الوجه) فسوف يتبعها يُسْر في الحياة العملية ، وإيقاف لهذا التناول المتشعب لهذه القضية)! وهل بمثل هذا الأسلوب يا معالي الوزير يقف التناول المتشعب لهذه القضية؟! إنني أحسن الظن فيك يا معالي الوزير ، وأعتقد أن لَبْسًا حصل لك بين ما قرأته للمحدث الألباني وعبارته التي ربما نقلت كلامك منها ، عندما حلف الشيخ الألباني في كتابه (الرد المفحم) بأنه لن تستقيم الحياة العملية للمرأة المسلمة طبيبةً ومعلمةً ومساندةً في الحروب إلا بكشف الوجه!! ، وقد حنثت يمين شيخنا الألباني ، فها هي المرأة المسلمة في كل المواقع التي ذكرها بكامل حجابها ونقابها! ، وما كان قوله -رحمه الله- صوابًا ولا واقعيًا ، ثم ما قرأته للعلامة الشيخ: عبدالحليم أبوشقة في موسوعته (تحرير المرأة) ، ومن تلاهم من بقية علماء مصر والشام ، وبين الرأي الغالب الذي لا يأخذ بقول غيره في بلادنا! ولعل من أدلة ذلك قولك بعد الإشادة بكتاب العلامة الألباني (حجاب المرأة المسلمة) دون غيره: (ولقوة الحجج التي أوردها في هذا الكتاب فإن المتشددين لم يجدوا وسيلة إلا مناداتهم بمنع تداول هذا الكتاب). ولعلي أخبر معاليك أنني تحدثت مع العلامة الألباني في منزل عمي الجليل القاضي الشيخ: داود العلواني العمري ، عن كتابه ورأيه في مسألة الحجاب ، ولم تكن الصورة كما هي لديك من التشدد في منعه ، بل كان متداولًا حينها ، وإلى يومنا هذا ، ومثل ذلك كتاب الشيخ القرضاوي (الحلال والحرام) والذي قال فيه ما لم يقل عُشْره الألباني ، وفُسح الكتاب حينها بإذن الشيخ عبدالعزيز بن باز فأين هم المتشددون؟! بل إن شيوخنا الكبار (ابن باز ، ابن عثيمين ، صالح الفوزان) ردوا على الشيخ الألباني بكل أدب واحترام ، وناقشوا الأدلة التي ذكرها فضيلته في كتابه بكل موضوعية وعلمية. وهذا يعكس الصورة التي لدى معاليكم أن الكتاب اغتاله المتشددون ، بل على العكس تمامًا نشره المتسامحون بمناقشة العلماء المتبحرين له. ومن الخطأ المنهجي في كتاب معاليه قوله: (هناك قلَّة تقول بوجوب تغطية الوجه ، بوصف ذلك جزءًا من الحجاب الشرعي ، وحجتهم في ذلك أن موضوع الفتنة في المرأة هو وجهها ، وكفَّاها ، لذلك يحذرون من استشراء الفتنة لو كشفت المرأة وجهها)! والمسألة تعبدية ، لا كما نقل معاليه عن الشيخ الألباني وأبو شقة وغيرهما -رحم الله الجميع-. وليأذن لي معاليه أن أنقل له فقط أسماء يسيرة جدًا لبعض أكابر الأئمة في كل المذاهب القائلين بمنع كشف وجه المرأة تعبدًا: (الجصاص والسرخسي وعلاء الدين الحنفي والطحاوي وابن عابدين- من الحنفية - ، وأبوبكر بن العربي والقرطبي والونشريسي والمشدالي - من المالكية - ، والجويني وابن حجر العسقلاني وابن رسلان والشرقاوي -من الشافعية- ، والإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم -من الحنابلة-) ومثلهم عشرات من الكبار فضلًا عمن بعدهم في كل المذاهب. هذا كله فضلًا عما قاله كبار الصحابة (أم المؤمنين عائشة ، وابن عباس ، وما فعله نساء الأنصار ... وغيرهم). وأما القائلون بالمنع بسبب الفتنة فمسألة اتفاق لا إجماع ، وعددٌ لا يحصى كثرة في كل القرون. فهل القائلون بوجوب كشف الوجه كثرة أم ما ظنه معاليه من قلة؟! إنني أتفهم يا معالي الوزير تمامًا أن في المسألة خلافًا فقهيًا واسعًا ، وهو من الخلاف المعتبر ، وأن ثمة من يتشدد هنا أو هناك بلا دليل ، لكنني لا أتفهم أبدًا أن نعرض الآراء أو وجهات النظر بعيدًا عن المنهجية العلمية ، فضلًا عن اعتبار الأقوال القوية مصدرًا للعقد في الحياة!!