بصراحة لا تهمني القطة التي نفقت تحت عجلات سيارة ، أنا منكم وفيكم ، نحن مازلنا في الحصة الأولى من منهج حقوق الإنسان ، فما لنا ولقطة ينفق مثلها مئات في شوارعنا يوميا ، تقرير رجل الأمن سليم مئة بالمئة - كما نشرت (الوطن) يوم الأحد الماضي– الحق على القطط ، ترمي بأنفسها إلى التهلكة ، تعتمد في عبور الشوارع على ذكائها وخفتها ، لا تعلم أن سياراتنا أسرع وأدهى ، متحضرون نحن والقطط متخلفة ، لكن صديق سعد الدوسري -المبتعث– أصر على تقرير المرور ، هذا ما شاهده في أميركا ، لم يهتم بسخرية الناس ولم يتوجس من موقف جندي المرور ، لقد أصر على موقفه ، هذه ثقافة اكتسبها ولن يفرط فيها. لا تهمني القطة، يهمني هذا المبتعث ، ويهمني مئة ألف مبتعث قادمون خلال سنوات. الابتعاث ليس دراسة علمية فقط، إنه اكتساب ثقافة متحضرة ونظام متطور ، المبتعث يعيش هناك بضع سنوات بين ظهراني شعب متحضر ، تهمه القطة ، تهمه الشجرة والوردة وكل كائن حي ، حقوق الإنسان هضمها وتمثلها وعاشها ولم تعد تقلقه ، النظام أصبح سلوكا معاشا ، لم يعد هاجس الخوف من الرقابة موجودا ، الحقوق والنظام هي الحياة نفسها. المبتعث السعودي يعيش كل هذا هناك ولا بد أن يتفاعل ويتعلم ويكتسب ويتمثل ، إذا لم يفعل لا فائدة من بعثته ، سيندهش في البداية ، سيتعب قليلا مع ما لم يتعود ، لكنه بعد ذلك سينسجم ، سينخرط في طابور التحضر ولا مناص له من ذلك إلا إن انعزل مع من ينعزلون في (كانتوناتهم) ، وبعد فترة وجيزة من الاختلاط والمعايشة والتفاعل سيتأمل ويقارن ، سيجد العجب العجاب بين ما نقول وبين ما يفعلون ، بين ما نتكلفه وبين تلقائيتهم ، بين عظمة إسلامنا وبين بعدهم عن الدين الحق ، بين تخلفنا كمسلمين وبين تقدم وتحضر أولئك (الكفار) ، وشيئا فشيئا سيصبح واحدا منهم سلوكا لا عقيدة ، والمبتعث السعودي مسلم ، والحكمة ضالته ، وقد وجدها في ما عاشه مبتعثا ، نريد هذه الحكمة ألا تفلت منه حين يعود ، دينه يحثه عليها ، ومعايشته لنتائجها المبهرة هناك تلزمه بنقلها إلى مجتمعه ، إصراره عليها يخلق لها جمهورا ، واحدا اثنين ، مع الإصرار يصبحون أربعة والأربعة عشرة ، مئة ألف مبتعث مع الإصرار على تطبيق ما اكتسبوا يصبحون مليونا ، والمليون يلد آخر ، وتكر سبحة التمدن ، وهكذا نتقدم ، نتجاوز بحقوق الإنسان مرحلة التنظير إلى التطبيق والتمثل ، تبيد العصبية بكل أنواعها وتسود المدنية بكل حدائقها ، وشيئا فشيئا يصبح المبتعث الذي أصر على تقرير –القطة – قطرة في نهر الإعجاب الذي فجر نبعه بإصراره على تطبيق ما تعلم ، حينها يتجاوز فهمنا لحقيقة إسلامنا تمثل وتطبيق (المسلم أخو المسلم ... والناس سواسية كأسنان المشط ...) ، إذ نكون عند التدبر العميق لحديث (دخلت امرأة النار في هرّة ... ) ، آنذاك – يا من يعيش! – سيسخر الناس ممن يقول: القطة لا تهمني. سيخلد التاريخ تحية شامخة لكل مبتعث من هذا النوع ولمن ابتعثه.