الحمد لله أن وزير التجارة والصناعة يفقه في التجارة والصناعة وقمع الآخرين وتهزيئهم علنا بل وفي عقر دارهم ، فمعالي الأستاذ عبدالله زينل أعلن من على منبر الغرفة التجارية في جدة أن الذين يطالبون بفصل التجارة عن الصناعة في وزارتين مستقلتين لا يفقهون لا في التجارة ولا في الصناعة ، مع أن عددا من كبار التجار والصناع الذين حضروا للاستفادة من علم معاليه الغزير يختلفون معه في هذه النظرة ، ويرون أن فصل التجارة عن الصناعة أفضل. وبغض النظر عن اختلافهم أو اتفاقهم مع معاليه فإن الجميع يدرك أن الفصل أو الدمج ليس في مقدورهم ولا مقدور الوزير ، لكنها وجهات نظر من حق الجميع طرحها ومناقشتها ووضعها أمام صاحب القرار ليدرسها ويتخذ بشأنها الأنفع والأصلح. وكان بإمكان معالي الوزير عندما طرحت عليه المسألة أن يعبر عن وجهة نظره دون تسفيه وجهة النظر الأخرى التي لدى أصحابها ما يبررها. وإذا كان معاليه قد قدم أنموذج الدقيق ليدعم به وجهة نظره فقد يكون لدى أصحاب نظرية الفصل نماذج أخرى يدعمون بها وجهة نظرهم. وكان حريا بمعاليه تقديرها لا تحقيرها وتجهيلها. مشكلة بعض الوزراء في العالم الثالث، وليس في المملكة وحدها ، أنه ينشأ لديه إحساس بأنه أعلم وأفقه الناس في مجال وزارته، ويتبع ذلك إحساس بالامتلاك ، بحيث يتعامل مع الوزارة وكأنها جزء من ممتلكاته الخاصة ، وهذا الإحساس يدفعه إلى اعتبار كل ما يصدر عنها هو الحق والصحيح ، وما يتعارض معه هو الباطل والخطأ ، وشيئا فشيئا يعزلها عما هو خارجها من المستفيدين من خدماتها الذين لا يصبح أمامهم حل سوى الإذعان وإلا فهم جهلاء لا يفقهون وأغبياء لا يفهمون ، بينما لو فتح الوزير النوافذ والأبواب ووضع وجهات نظر المتعاملين مع وزارته في موقعها الذي تستحقه من الاهتمام لوجد ما يدعمه ويريحه ويريح الآخرين ، لكن الإحساس بالتفرد هو ما يحول دون ذلك ويفضي إلى العزلة ووصف الآخرين بالجهل أو التعامل معهم من بوابة التجاهل. الطريف أن معظم هؤلاء الوزراء درسوا في جامعات عالمية مرموقة وعاشوا في مجتمعاتها التي لا تقبل مثل هذا الغرور والتعالي ، فهي تمجد قيم الحوار والعمل الواضح المبني على أنظمة سهلة سلسة يفهمها الجميع ، ولو فتح باب الحديث لأحدهم عن تلك القيم لأفاض في التنظير وضرب الأمثلة عليها من الواقع الذي يعرفه وعاشه ، وبعضهم قد يتمادى في تنظيره فيقارن ذلك بقيم الإسلام العظيمة متحسرا على أننا لا نطبقها في حياتنا اليومية بينما الغرب أخذ بها ونجح ، ولو تجرأت وسألته لماذا لا يطبق ذلك وقد أتيحت له الفرصة اقتداء بقيم الإسلام التي يعرفها أو تجارب الغرب التي خبرها للاذ بالصمت ، وربما تجرأ وقال لك (أنت لا تفقه في هذه الأمور) كما فعل زينل في بيت التجارة. قليلا من التواضع .. رحمكم الله.